تمثال الوحدانية أو إمرأة البحر كما تعرف عند سكان مدينة تيبازة واحد من الشواهد الحية التي تروي لنا قصة وفاء ومعاناة إمرأة إختلفت الروايات حولها لتجتمع في كونها فقدت عزيزا في البحر لتبقي وحيدة لزيمة الشاطئ تصارع الأحزان على أمل عودته . نصب تمثال الوحدانية أو كما يطلق عليه بعض الصيادين بحارسة البحر سنة 1989 بالجهة الشرقية للميناء تيبازة قرب مدخل حظيرة الأثار الرومانية ، ليكون بمثابة الكتاب المفتوح الذي يروي لزوار الميناء قصة صاحبته ،حيث يصور التمثال إمرأة تجتمع فيها كل معاني الألام والمعاناة خاصة وأنها موجهة للبحر واضعة يديهاعلى رأسها ليتضح بذلك مدى شوقها الكبير وهي في إنتظار عودة أحبائها متحديتا قوة الرياح التي تطاير ثوبها الطويل. أسطورة إستمرت لأكثر من ربع قرن ونحن في رحلة البحث عن حقيقة تمثال إمرأة البحر المعروفة بالوحدانية إلتقينا الشاب "غريب" وهو أحد الموظفين لدى الديوان الوطني لتسير وإستغلال الممتلكات الثقافية المحمية بفرع تيبازة والذي قال لنا أن أغلب الروايات التي تدور حول تمثال المرأة تقول أنها إمرأة تقطن ضواحي تيبازة وهي زوجة صياد، وفي صباح إحدى الأيام ركب قاربه كعادته ذاهبا للصيد رفقة أولاده إلا أن الظلام حل دون عودته أحد منهم ، فإتجهت الزوجة للميناء بهدف الإستفسار عن سبب تأخرهم وكذا إنتظار عودتهم فتفاجأة حينها بنبأ هلاكهم في البحر فأجهشت بالبكاء والصراح وهي تندب خديها وتقول الرواية حسبه أنها أصيبت بالعمى من تحت تأثير الصدمة ،ومنذ ذلك الوقت بقيت وحيدة على أمل أن يعيد لها البحر أحبتها تتردد إلى الميناء إلى حين وفاتها ، فنصب لها تمثالا في ذات المكان الذي كانت تقف فيه ليصور وبدرجة كبيرة الحالة التي كانت تعيشها المرأة الوحيدة من الألم والمعاناة لحظة سماعها خبر وفاة زوجها وأولادها وليكون شاهدا يروى على كل من يراه قصة المرأة التي ربطتها المأساة بميناء تيبازة إلى أن لفظت أنفاسها الأخيرة. و تقول روايات أخرى أنه للملكة "كيليوباترا" التي عرفت بحبها الكبير للملك "يوبا الثاني" إبن ملك نوميديا ،حيث كانت تتردد كل مساء إلى شاطئ البحر تنتظر عودته من الغزو وبقيت على تلك الحالة لمدة طويلة إلى حين وفاتها، فأقيم لها تمثالا تخليدا لها وذكرى لوفائها وشاهدا على حبها وخوفها على الملك يوبا الثاني خلال كل الحمالات التي كان يقودها، ويعكس هذا التمثال حالة الشوق والقلق التي كانت تبدو عليها وهي تنتظره، لهذا وكتقديرا منه لها بعد موتها دفنها داخل معلم أثري تعجز الألسن عن وصفه وهو الضريح الملكي الموريتاني أو كما يسميه السكان المحليون لمدينة تيبازة " بقبر الرومية " المتواجد على مستوى الطريق المؤدي إلى بلدية سيدي راشد بولاية تيبازة والذي بناه الملك " يوبا الثاني" للملكة " كيليوباترا سيلنى" تعبيرا عن حبه الكبير لها ولما كان بينهما وليكون شاهدا تاريخيا يحكي للأجيال المتعاقبة المكانة التي كانت تحظي بها الملكة الأسطورة في مملكة نوميديا. في حين أخبرنا يوسف وهو من السكان القدامى بمدينة تيبازة أن تمثال الوحدانية أو كما تعرف عند البعض حارسة البحر ينسب لشابة وحيدة ذهب خطيبها للصيد رفقة أصدقائه ولم يعد من يومها فبقيت تنتظر عودته على الشاطئ بأمل أن تسمع أخبارا تسرها عنه إلى أن توفيت في ذلك المكان . أما بالنسبة "لعمي صالح" الذي يبدو في الستينات من العمر وهو من الأشخاص الذين يترددون إلى الميناء يوميا ومنذ زمن فقد قال لنا أن مايروى حول المرأة مجرد روايات لا أساس لها من الصحة مؤكدا أن نصب التمثال سبق مايقص حولها ،حيث أصبح الناس يؤلفون الحكايات حسب مايصوره لهم التمثال لهذا شاعت قصة المرأة التى توفي زوجها وأولادها في رحلة الصيد وبقيت وحيدة ، لكن في النهاية يقول عمي صالح هذه مجرد رواية فحسب إلا أنها أصبحت معروفة لدى الجميع من بحارة وعمال الميناء وسكان مدينة تيبازة وحتي زوارها كون التمثال يثير التساؤل لدى كل من يراه خاصة السياح بهدف معرفة قصة المرأة ولماذا نصب لها التمثال بهذا الشكل وإن كانت القصة واقعية أم لا وفي الحقيقة كان كل من يسمع قصة المرأة يصدقها كون تمثال الوحدانية يصور مايدور حوله من حكايات بدقة ويعبر عن معاناة المرأة بشكل كبير بالإضافة إلى أنه يثير إعجاب الزوار كثيرا بحيث لا يستطيع أحد منهم المغادرة دون إلتقاط صور تذكارية له مع التمثال خاصة العرسان الجدد الذين وجدوا فيه كل معاني الوفاء والحب الذي يمكن أن تكنه المرأة لزوجها . تزامن نصب تمثال الوحدانية ووقوع الزلزال: تزامن يوم نصب تمثال الوحدانية بميناء تيبازة وقوع الزلزال بذات الولاية الأمر الذي جعل البحارة وعمال الميناء ينظرون له على أنه فأل شئم عليهم ويرجعون ماحل بيهم يومها إلى غضب الله منهم بسبب نصبهم لهذا التمثال، هذا ماجعل معظمهم يعارضون تواجده بالميناء خاصة البحارة الكبار السن الذين قالوا أن نصب التماثيل يتنافي وديننا الإسلامي ولا يمد بصلة لعادت وتقاليد المسلمين وكان "عمي صالح " من أكثر المعارضين لتواجد التمثال بالميناء حيث وصفه بصنم المرأة التي جلب الزلزال وقال أنه لايعني شيئا ولا قيمة له لأن النساء اللواتي فقدن أزواجهن وأولادهن في البحر كثيرات ولو نصب لكل واحدة منهن تمثالا في الميناء لتم تحويله إلى متحف للوحدانيات حسبه. تحطيم تمثال الوحدانية وبقاء أسطورة الوفاء : ومع أشغال التوسيع والتهيئة التي شهدها ميناء تيبازة تم تحطيم تمثال المرأة كونه نصب في مكان غير ملائم وهو ما دفع بهم إلى تنحيته ورميه وسط الصخور ولايكاد يظهر منه شي حاليا، هذه الحادثة لقت إستحسان الكثير من البحارة وعمال الميناء الذين يرونه على أنه فأل شئم على المدينة بسبب الزلزال الذي حل بهم يوم نصبه في حين عبر البعض عن أسفهم تجاه تنحية التمثال من الميناء من بينهم "محمد " الذي قال لنا أن أسطورة المرأة تقول أنها كانت تنتظر زوجها فيما مضي إلا أن تمثالها الأن أصبح ينتظر كل الصيادين للعودة من الصيد كل مساء فحين ينظر إليه في بداية كل يوم يتذكر أن هناك من ينتظر عودته إلى البيت من زوجته وأولاده وكل عائلته، كما أضاف أن تمثال الوحدانية كان أنيسهم في مختلف الجلسات والسهرات رغم أنه كان يبدو مرعبا نوعا ما في الليل إلا أنه ترك فراغا في الميناء ولازالوا لحد اليوم يسمون المكان الذي كان التمثال منصوبا فيه بمكان " الوحدانية" رغم تحطيمه حيث كان قبلتهم في كل صباح قبل رحلة الصيد يجلسون بمحاذاتة لشرب قهوتهم وتبادل أطراف الحديث مستمتعين بالنظر إلى أبعد نقطة في البحر وكلهم أمل أن يكون رزقهم في ذلك اليوم وفير، ومن جهة أخرى عبر العديد من الزوار الذين إعتادوا التردد إلى الميناء من أجل الإستمتاع بمنظر البحر والتجول على أرصفة الميناء عن خزنهم الشديد تجاه عملية تحطيم تمثال المرأة خاصة النساء وكانت " أمينة " واحدة من اللواتي إلتقيناها بالميناء وأخبرتنا عن مدى خزنها حيال الأمر فهي كانت تجد في تمثال "إمرأة البحر" كل معاني الوفاء والشوق الذي يمكن أن تكنه المرأة لزوجها وكذا كل معاني الألم والمعاناة الذي يمكن أن يصيب الأم وهي في إنتظار عودة أولادها بكل شوق وحب تصارع الظروف وتتحدي ظلمات الليل متمسكة بالأمل والصبر إلى حين وفاتها .أما صديقتها "سعاد " فقالت أنها كانت تشعر بالفخر كلما رأت تمثال المرأة كونه نصب جزائري رغم أنه حديث إلا أنه ينال إعجاب كل من يراه من داخل وخارج الوطن كما أنه ينافس الأثار الرومانية التي تضرب بجذورها في عمق التاريخ ويسرق منها المعجابين . برعم من أن قصة تمثال المرأة المعروفة " بالوحدانية " تعد أسطورة لم يثبتها أحد إلا أن التفسيرات التي تدور حوله تصب في إتجاه واحد وهو أنه يعبر عن وفاء وحب إمرأة قضت باقي حياتها في إنتظار عزيز أخذه البحر منها ، ومع أن تمثالها تم تحطيمه وإزاحته عن ميناء تيبازة إلا أن قصتها لاتزال معروفة لدى الجميع الكبار والصغار لما تحمله من معاني الحب والوفاء من جهة والحزن والألم من جهة أخرى وهو مايثير إستعطاف كل من يسمعها وبالتالي إعادة روايتها كلما أتاحت الفرصة لذلك الأمر الذي ساهم في شيوع وإنتشار قصة المرأة التي تبقي في النهاية رمزا للوفاء والصبر.