يعد اللعب ضروري جدا بالنسبة للطفل، حيث أنه يعمل على تنمية مهاراته وقدراته، كما يمكنه من اكتشاف محيطه، ما جعل الكثير من الشركات العالمية تستثمر في مجال الألعاب الإلكترونية، غير أن ما يعاب على الكثير من ألعاب هذا العصر أنها باتت خطرا يحدق بالطفل لما تحمله من آثار سلبية، وبدل أن تساعده على التعرف على محيطه، جعلت منه طفلا منعزلا يعيش أجواء اللعبة مما جعله لا يشعر بالعالم المحيط به. عبر العديد من الأولياء عن استيائهم من الإدمان الشديد لأطفالهم على ألعاب الفيديو، كما أكد جل من يملك أولادهم هذه اللعب التغير الجذري في سلوكاتهم. شهادات أولياء تقول السيدة نوال 30 سنة أم لطفل: «ابني جد مولع باللعب «ببلاي ستايشن»، فهو يقضي وقته في المدرسة وما إن يعود إلى البيت حتى يتجه مباشرة للعب بها بدون انقطاع حتى يغمض جفنيه»، هذا ويجهل العديد من الأولياء ما تحمله تلك الألعاب من أخطار تظهر على الطفل على المدى القريب لاسيما إذا زادت ساعات اللعب اليومية، تقول نفس المتحدثة: «جلست مرة بجانب ابني صاحب العشر سنوات، بينما هو يلعب فكنت ألاحظ أن تلك الألعاب تقتصر على مباريات المصارعة أو القيادة المسرعة للدراجات النارية أو سيارات الرياضية، لذا اعتبرت أن الأمر جد عادي». هذا ولاحظت نوال تغيرا كبيرا في سلوك طفلها فهو يقضي كل حاجياته بسرعة حتى طريقته في الحديث مع الغير تتم بسرعة، حيث تقول أنها صارت لا تفهم ابنها. أما نسيمة أم لطفلين تقول بشأن هذه الألعاب «لاحظت على بعض الألعاب ممارسات مخلة بالحياء، حيث تقبل على الشخصية الافتراضية التي فازت في اللعب امرأة شبه عارية لتحضنه وتقبله وأحيانا تحيط به العديد من الفتيات»، وتضيف قائلة: «أصبت بالدهشة لما شاهدت اللعبة، خاصة وأنني كنت أظن أنها ألعاب بريئة ولم أتخيل أنها تحمل ما يخدش الحياء، ما جعلني أمنعه من اللعب ب»البلاي ستايشن»، غضب طفلي كثيرا، كما أنه هددني بالامتناع عن الذهاب للمدرسة في حال رفضت إعادة اللعبة لمكانها، لذا قررت السماح له فقط بمباريات كرة القدم». وإذا كانت نوال قد تمكنت من السيطرة على ابنها ولو بدرجة نسبية، فإن آمال أم لطفلين في المدرسة تقول: «في الحقيقة أمنعهما من الخروج للعب في الشارع خوفا عليهما ما جعل «البلاي ستيشن» ملاذهما الوحيد، فهما يقضيان كل أيام العطل معه، يأكلون بسرعة ليعودا للعب وكثيرا ما ينشب شجار بينهما حول مدة لعب كل واحد منهما ما يجعلني أتدخل لفض النزاع لينال كل واحد نصيبه من اللعب، وصدقوا إذا قلت لكم أنني ألعب معهما أحيانا، خاصة إذا لم يجد أحدهما من ينافسه في اللعب». اعترفت أمال أنها لم تستطع السيطرة على أولادها وتنظيم أوقات اللعب عندهم ما جعل الأمر ينعكس سلبا على تحصيلهم الدراسي لتفاجأ آمال بنتائج كارثية ولم تظن يوما أن طفليها سيصلان إلى هذا الحد من تدني المستوى. الأمر لا يختلف بالنسبة لأيمن صاحب الثماني سنوات، حيث يقول والده: «لا شغل لطفلي سوى اللعب ب»بلاي ستايشن» لدرجة أنه لا يسمع عندما يناديه أحد فلا يجيب، ويؤكد دوما أنه لم يسمع الصراخ»، هذا الأمر جعل والد أيمن يثور غضبا ويسحب اللعبة منه ولكن أمه تعيدها إليه مبررة أنها الوسيلة الوحيدة التي يروح بها عن نفسه. كثيرا ما يبذل الطفل أمام ألعاب الفيديو مجهودا ذهنيا كبيرا وطاقة كبيرة في التركيز تجعله لا يستطيع بذل ما يضاهيها في التحصيل الدراسي، لذا يعتبر الفشل في الدراسة المؤشر البارز الذي يستوجب على الوالدين اتخاذ الحل قبل فوات الأوان، وفي هذا الصدد تحديدا تقول راضية: «أولادي لا يقتربون من حقائبهم المدرسية ولا يفتحون كتابا إلا إذا صرخت في وجوههم وعنفتهم وأحيانا ألجأ للضرب، لذا فكرت في تحطيم تلك الألعاب ما جعلهم يواظبون نوعا ما على دراستهم»، وتضيف قائلة: «بعد جهود كبيرة تمكنت من تخصيص وقت معين للعب أولادي وكنت أظن أنني حللت المشكل ولكن في الحقيقة كانوا يخادعونني، حيث يستيقظون للعب ليلا، تخيلوا أنني لم أكتشف الأمر لولا أن أحدهم كشف الآخر، هنا أدركت تحديدا لما لا يستطيعان الاستيقاظ مبكرا للدراسة، لذا كسرت اللعبة». هي حقائق قد لا يخلو منها بيت به أطفال وألعاب فيديو، وكأنها النار أمام البنزين والنتيجة التي قد يصل إليها الأغلبية بسبب التأثر بشخصية البطل في اللعبة هي تنامي السلوك العدواني لديهم، ويعد هذا مؤشرا آخر يحتسب على ألعاب الفيديو، تقول ليندة أم لثلاث أطفال: «لاحظت تغيرا كبيرا في سلوكات أطفالي سواء مع بعضهم البعض أو مع زملائهم في الشارع فهم يميلون للمبارزة بالعصي والتشابك بالأيدي لدرجة أن أحدهم جرح ابن الجيران ما جعلني في موقف حرج أمام أهله، أما آخر وإضافة إلى فقدانه التركيز في دراست،ه إلا أنه أصبح يتفنن في إيذاء إخوته ويوجه إلي أو لوالده بعض اللكمات ليظهر أمامنا قوته البدنية». عادة ما يبرر السلوك العدواني لدى الطفل المولع بألعاب الفيديو بأنه تقليد للشخصية الافتراضية في اللعبة والتي قد تمثل قيم الخير أو الشر، خاصة وأن الكثير من الأطفال يجدون أن المقاطع التي يشاهدونها على ألعاب البلايستايشن عادية ولا تؤذي أحدا وهذا انطلاقا من اللعبة التي يقع فيها المصارعون عدة مرات بضربات قاضية، إلا أنهم يعاودون الوقوف سالمين وهنا يتجاهل الأطفال أنها مجرد لعبة فيحاولون تقليدها على أرض الواقع، وهنا تضيف ليندة: «استدعتني معلمة ابني لتحذرني من سلوكاته داخل القسم، فهو لا يتردد في ضرب بعض أصدقائه، لم أتفاجأ كثيرا للأمر، لأن هذا التصرف لا يختلف عما يقوم به في البيت، ما جعلني أفكر في عرضه على أخصائي نفساني». انعكاسات لا تلبث أن تظهر إن ألعاب الفيديو تشكل للطفل عالما خاصا به وصارت تسبب له أضرارا تنعكس على نفسيته وشخصيته، خاصة وأنه مهدد بأن يكون فردا غير مستقر. صحيح أن للعب ضرورة حتمية بالنسبة للطفل، خاصة وأنه يمكن أن يكون أحد أساليب التعلم إلا أن الواقع يثبت أن ألعاب الفيديو تحطم الطفل تدريجيا، لأنها تجعله قليل التركيز، إلا أن في اللعبة المعنية ما يؤدي إلى حالة من الانعزال والانطواء وأحيانا عدم تقبل الطرف الآخر كعنصر يشاركه في بعض الألعاب الخاصة. إن ألعاب الفيديو تخلق للطفل عالما خاصا به يحرمه لساعات من محيطه العائلي المتكون من أبيه وأمه وإخوته، وهذه الألعاب عموما قد تشجع الطفل على إلحاق الأذى بكل من حوله لكونه يتأثر بالعدوانية باعتباره يهوى التقليد وكذلك الانفعال السريع الذي يعيشه طول مدة اللعبة ما قد ينعكس سلبا عليه كتراجع تركيزه في الدراسة وأحيانا تطرأ عليه بعض السلوكات فتجده يسرع كثيرا في الأكل والشرب وقضاء بعض الحاجات، إضافة إلى ما قد تحمله هذه الألعاب من ممارسات تمس بالأخلاق. إن هذه الألعاب كثيرا ما تقتل إحساس الطفل بالوقت ويصبح مركزا فقط على الضغط على تلك الأزرار وكيف يتحكم في اللعبة بغرض الفوز وبالتالي يبذل مجهودا ذهنيا كبيرا ليكافأ بالتصفيق من جمهور وهمي. هذا وقد دعا العديد من الأولياء إلى ضرورة إعادة النظر في أنواع الألعاب الموجهة للأطفال، خاصة تلك التي تحمل في مضامينها عنفا ومن خلال القتال المستميت والتي تعود بالضرر على تصرفات الطفل. غير أن الدور الوقائي الكبير يقع على عاتق الأولياء من خلال تنظيم وقت الأطفال بخصوص ساعات اللعب وكذلك نوع اللعبة التي يجب أن يحرص الوالدان على اختيارها مع مراعاة عامل السن، فلا نمنع الأطفال من اللعب ولكن لا نترك لهم الحبل على الغالب قصد تحقيق نوع من التوازن في حياة الطفل.