إن حسن الظن بالله تعالى ركيزة مهمة من ركائز الإيمان، وأصل عظيم من أصول العقيدة الإسلامية، من حققه واعتصم به نال السعادة في الدنيا وكان من أهل النجاة في الآخرة، ومن أخل به أو فقده كان من أهل شقاوة في الدنيا ومن أهل الخسارة في الآخرة، وإن حسن الظن بالله مبدأ كل خير يكسبه العبد كما أن سوء الظن بالله مبدأ كل شر يكتسبه. ومن معنى حسن الظن بالله تعالى ومن دلائل إيجابه أيضا، إثبات صفات الكمال التي لا نقص فيها لله عز وجل، كالعلم الذي يشمل جميع المعلومات، القدرة على كل شيء، والإرادة المطلقة التي لا يعارضها شيء والغنى المطلق بحيث لا يحتاج إلى غيره. ومن معناه أيضا أن تُحمل أفعاله جل جلاله وأحكامه على المحامل الحسنة، وأن يُظن فيها الخير بكل حال، وأن لا يُطعن فيها بوجه من الوجوه ولا يُعترض عليها، وإن مما هو ظاهر علمه في الناس وجوب حسن الظن بالمسلمين، حيث إذا سمع أحدهم يقول قولا يحتمل الخير والشر، أو يفعل فعلا من هذا الجنس إلا وجدت أهل الخير والإيمان يقولون: لابد أن نحمله على الخير، لأنه ينبغي حسن الظن بالمسلم. وقد علّمنا ربنا سبحانه أن نرد كل خير إليه، وإذا حدث شر رددناه إلى ذنوبنا وتقصيرنا. من آثار حسن الظن بالله تعالى وبعد هذا نقول إن إسلام العبد لله لا يمكن أن يكون إسلاما صحيحا تاما من دون حسن الظن بالله تعالى، ويظهر ذلك في كون كثير من العبادات الواجبة متوقف على وجود هذا الأصل منها: إخلاص الدعاء لله تعالى فإنه مما هو معلوم أن الدعاء عبادة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي عبادة واجبة، ولولا حسن ظن العبد بربه لما رفع يديه إليه، فهو حال دعائه يعتقد أن الله يسمعه وإن أسر وعالم بحاله وإن خفي، وقادر على أن يجيبه ويفرج كربه وإن عجز عن ذلك الخلق جميعا، ومن معنى اليقين أن يعتقد بأن الله قد سمع الدعاء وأنه مجيب الدعاء، فإن حدث أن تأخرت الإجابة لم يستعجلها العبد، ثم إن من لم يستعجلها وحقق أسباب الإجابة وشروطها ثم لم يستجب له، فهو يعلم أنه وقع في مانع من موانع الاستجابة، وعلى كل حال فهو يحقق هذه العبادة على الوجه الذي أمر به. التوكل على الله تعالى وكذلك من دون حسن الظن بالله تعالى لا يمكن للعبد أن يُحصِّل عبادة التوكل عليه فجعل التوكل شرطا في الإيمان، ولا يمكن لعبد أن يتوكل على من يسيء الظن به، والتوكل يقوم على ركنين أساسيين الثقة بالله والاعتماد عليه، والناس في معاملتهم الدنيوية لا يكلِّفون بقضاء حوائجهم والقيام على شؤونهم إلا على من عرفوهم بالثقة والأمانة والحرص، فالاعتماد عليهم كان فرع حسن الظن بهم، فكذلك التوكل على الله لا يكون إلا فرعا عن إحسان الظن به، فلابد أن نعتقد أننا أودعنا قضايانا عند من لا يضيعها. التوبة والإنابة إلى الله تعالى ومن ثمار هذا الأصل أيضا تحقيق التوبة وهي من العبادات الواجبة على المؤمنين جميعا، ولا يتصور حصول التوبة من العبد المذنب الخطّاء وحسن الظن بالله تعالى غائب غير حاضر، فالعبد الذي يستولي عليه القنوط وييأس من رحمة الله ولا يرجو عفوه لا يمكنه أن يتوب بتاتا، وإنما الذي ييسر له التوبة والإنابة إلى الله تعالى أن يتذكر أن الله يفرح بتوبة عباده، وغير ذلك مما يجعله يطمئن ويدرك أن لا مفر من الله إلا إليه فيسارع بالفرار إليه. الانقياد والإذعان لأحكام الله تعالى ومن الأمور الناتجة عن حسن الظن بالله تعالى الاستسلام لأحكامه وشرائع دينه جملة وتفصيلا، وانعدام الاعتراض عليها وعدم الرضا بها من القلوب فضلا عن أن يظهر ذلك على الجوارح، لأن المسلم يعتقد أن الله أحل لعباده الطيبات التي تنفعهم وحرم عليهم الخبائث التي تضر بهم، ولم يأمرهم بشيء إلا وفيه تحقيق مصلحة لهم عاجلة في الدنيا أو آجلة في الأخرى، فالله تبارك وتعالى غني عنّا وعن عبادتنا له. الرضا بالقضاء والقدر وإذا كان حسن الظن بالله حاضرا كان الرضا بالقضاء والقدر موجودا، فإذا جاء المقدور الذي هو شر يرضى به العبد ويتهم نفسه لا ربه جل جلاله كما سبق ذكره، ولابد للعبد أن يرضى لأنه يعتقد أن الله لا يظلم أحدا من عباده. عدم انقطاع الأمل وإذا كان حسن الظن بالله حاضرا كان الأمل في نفوس أهل الحق ودعاته دائما قائما، كيف لا يكون كذلك وربهم قد قال وقوله الحق (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (الصف:9).