نظمت مؤسسة فنون وثقافة بالتنسيق مع مركز التسلية العلمية بالجزائر العاصمة نهاية الأسبوع الماضي، أمسية أدبية بغرض إحياء الفن الشعبي الأصيل، نشطها كل من الفنان الشعبي والمنشط الإذاعي “ياسين بوزامة” رفقة الباحث في الأغنية الشعبية “محمد توزرت”. تزامنا مع الذكرى ال 33 لرحيل عميد الأغنية الشعبية “الحاج أمحمد العنقى”، تناول المشرفان على الأمسية سيرته الذاتية بالتفصيل، كما تم الإشادة بكل ما قدمه هذا العملاق للأغنية الشعبية، حيث يعود له الفضل في إخراجها من إطارها الضيق إلى آفاق رحبة انتقلت من المقاهي وأماكن اللقاء إلى الجمهور العريض. والحاج أمحمد العنقى واسمه الحقيقي آيت وعراب محند إيدير الملقب ب “حالو”، من مواليد 20 ماي 1907 ببلدية القصبة في الجزائر العاصمة، ينحدر من أسرة متواضعة يعود أصلها إلى بني دجناد بولاية تيزي وزو، والدته فاطمة بنت بوجمعة ووالده محمد بن حاج سعيد، الذي لم يدّخر جهدا في تربيته وتعليمه. طفولته توحي بمستقبل كبير لم يحظ الحاج على فرصة الوصول إلى دراسات عليا، بسبب الأوضاع القاسية التي عاش فيها خصوصا تحت قمع الاستعمار، لكن هذا لم يمنع التحاقه بثلاث مدارس بصفة متتابعة في الفترة ما بين 19121918 وهي مدرسة تعليم القرآن، مدرسة إبراهيم فاتح وأخرى ببوزريعة، إلاّ أنه وضع حدا لدراسته وهو لم يتم الحادي عشرة من عمره ليخرج بعدها للحياة المهنية. ومنذ صغره كان ميالا للفن وتجلى ذلك من خلال حضوره الدائم لحفلات الشيخ مصطفى ناظور، أين لوحظ عليه بأنه سريع الحفظ وكان يعرف الإيقاع بالفطرة. الحاج في بداية مشواره الفني تكفل الشيخ الناظور بأمحمد العنقى بعدما اكتشف مواهبه وألحقه بالموسيقى، علمه استعمال جميع الآلات الموسيقية، ليخلفه بعد وفاته في 19 ماي 1926 فتفوق التلميذ على الأستاذ بصبره ومثابرته، لتشكل بعد ذلك سنة 1928 محطة هامة في مسيرته الفنية حيث قام بتنشيط الحفل الإفتتاحي لتدشين radio PTT. في أعقاب هذه السنة اكتشفه الجمهور الواسع، حيث سجل ما لا يقل عن 27 أسطوانة، لم تتوقف شعبيته عن التنامي نظرا لجولاته الفنية عبر القطر الجزائري وفرنسا، بالإضافة إلى عمله مع الإذاعة الوطنية، حيث قاد أول وأكبر تكوين للموسيقى الشعبية، وكان أول من أطلق إسم الشعبي بعدما كان يدعى بالمديح سنة 1947. وأراد الشيخ أن يضفي الجديد خصوصا لعشاق الأغنية الأندلسية، أين مزج بين تلك الأغنية والشعبي مما أثار تذمر المحافظين والموسيقيين الكلاسيكيين، بالرغم من أنّ التناغم الذي حصل جراء المزج لقي استحسانا وإقبالا كبيرا من طرف الجمهور. التحاقه بالمعهد العالي للموسيقى ألقى العنقى تعليما فنيا في معهد الموسيقى سنة 1955، فتأثر تلامذته بفنه وطمحوا إلى أن أصبحوا مشايخ مثله نذكر منهم عمار لشاب، حسان سعيد ورشيد سوقي، ما أعطاه شهرة بدون شك وجعله ينتزع لقب “الشيخ” وهو لا يزال في ريعان شبابه، لأن فنه نابع من القلب. فعندما يؤدي قصيدة غالبا ما يندمج شخصه مع النص. وعن الجديد الذي أتى به هو إدخال آلات موسيقية ونوطات جديدة على هذا النوع من الموسيقى خدمة للقصيدة. توفي الكاردينال يوم 23 نوفمبر 1978 بالجزائر، بلغ رصيده الفني 360 قصيدة وأنتج ما يقارب 130 أسطوانة، ولو أن العدد في الواقع أكبر بكثير، ولعل أروع ما غنى الحاج محمد العنقى “المكناسية”، “يا أهل الزين الفاسي”، “يا ضيف الله”، وترك تراثا موسيقيا عظيما وقصائد لعمالقة من شعراء الجزائر الكبار، ستبقى خالدة في “ريبرتوار” الفن الجزائري.