السرقة هي أحد السلوكات المنبوذة من طرف المجتمع، وعادة ما يكون السارق يعاني من اضطرابات في الشخصية وبعض العقد، أو لأنه تأثر بأشخاص في الشارع جعلوه ينتهج الطريق الخطأ، ولكن ماذا عندما يكون السارق طفلا صغيرا بريئا؟ ما الذي يجعله يقدم على السرقة؟ وهل يدرك هذا الطفل حقيقة؟ وكيف يتصرف الأولياء في مثل هذه المواقف قبل أن يتأزم الوضع؟ أسئلة حاولنا العثور على إجاباتها من خلال هذا الاستطلاع حول موضوع السرقة عند الأطفال الذي تباينت الآراء حوله، فهناك من يعتبره سلوكا عاديا، في حين يرى آخرون أن هذا الطفل هو لص. شهادات أمهات اكتشفن أن أطفالهن سارقون تقول أم أنيس، صاحب الست سنوات: "كنت ألاحظ نقصا في النقود وأحيانا لا أجد شيئا مما بقي من المصروف، فأعتقد أني صرفته دون أن أعي ذلك، وأعيد الحساب في كل مرة وأحيانا أعتقد أن التاجر غالطني في الحساب، أو أني ضيعت تلك النقود،ولكن لم أعتقد أن ابني يتجرأ على فتح محفظة النقود والأخذ منها، خاصة بعد أن أمسكته بالجرم المشهود"، تضيف: "عنفته بشدة، ومن شدة الغضب أخبرت أباه الذي عاقبه بالضرب"، ولكن سلوكات أنيس لم تتغير وإن لم يجد ما يسرقه في البيت، فلا بأس بلعب الآخرين حسب ما أكدته أمه التي تقول: "لا يكف الشاكون من سرقة كراتهم عن دق الباب لاستعادتها ما أوقعني في موقف حرج مع أهالي بعضهم، ولكن العقاب لا يجدي نفعا مع ابني، فماذا أفعل، خاصة أني أخاف أن يصبح لصا عندما يكبر؟". "ابني يأخذ المال ليتصدق به" تقول نسيمة عن ابنها ذي الثماني سنوات، حيث تعتبره غريب الأطوار، فهو يطلب مبالغ من المال، ولما يرفض الأهل تقديمها فإنه يحاول سرقتها، ولكن ليس لأنه محتاج لها، بل ليقدمها لأصدقائه تضيف: "كنا نعتقد في البداية أنه يسرق المال، لأنه يريد شراء شيء معين، ولكن تبين أنه يحب تقديم المال لكل من يعرفه من أصدقائه، ظنا منه أنهم كلهم محتاجون ويجب عليه مساعدتهم". وإذا كانت سرقة أسامة تعبر عن رجولته حسب اعتقاده، فإن حب تملك أشياء الآخرين هو الدافع وراء السرقة عند الآخرين، تقول ليندة: "ابني يحب امتلاك أشياء الغير عنوة، وإن اضطر إلى سرقتها وإخفائها". أما فتيحة فقد وضعت في أحرج موقف واجهته في حياتها حسب ما تقول بعد أن سرق ابنها لعبا من المتجر وأخفاها تحت ثيابه، لتسقط منه أمام صاحب المحل، تقول: "لم أتمالك نفسي تلك اللحظة، وصرت أضربه أمام الجميع، خاصة بعد الملاحظة التي سمعتها من البائع رغم أنني لم ألاحظ أن ابني أخذ لعبا وأخفاها"، والموقف لا يختلف كثيرا عن الذي وضع فيه أكرم أمه بعد أن أخذ لعبا بلاستيكية صغيرة وأخفاها في جيبه، ولم تكتشف الأم ذلك إلا عند العودة إلى البيت، أين أخرجها وبدأ يلعب بها، وعندما سألته قال أنها لصديقه الذي أعاره إياها، تقول الأم: "ترددت كثيرا بين إرجاعها والاحتفاظ بها، ولكن الخجل من سلوك ابني منعني من إعادة اللعبة لصاحبها، ولكنني نهيته على أن يعيد الكرة مرة أخرى". أطفال يسرقون أدوات أصدقائهم ومن السلوكات التي قد تصدر عن الأطفال عفويا هي سرقتهم لأدوات بعضهم البعض، وعن هذا تقول صباح: "تختفي أدوات ابنتي من مقلمتها رغم أنني أحذرها مرارا وتكرارا بضرورة المحافظة على أدواتها، فمرة سيالة أو قلما، ومرة أخرى ممحاة أو مبراة، فصرت أشتري هذه الأدوات بشكل يكاد يكون يوميا، ولكن بلغ السيل الزبى عندما فتحت حقيبتها ولم أجد المقلمة كلها، ما جعلني أقصد المعلمة علّها تضع حدا لظاهرة السرقة داخل قسمها، ولكن بدون جدوى، فالمقلمة لم تظهر، وبعد مرور أكثر من أسبوعين استدعتني المعلمة لتعطيني المقلمة بعد أن استلمتها من أم أحد التلاميذ الذي أخذها ،هذا وأكدت لي ابنتي أن التلميذ عوقب أمام الجميع وقد نعتته معلمته بالسارق المحترف".
التحليل السيكولوجي للسرقة عند الطفل إن السرقة في حد ذاتها هي سلوك غير لائق، ينتهكه الإنسان في خصوصية الآخر، وعن السرقة عند الطفل، تقول أم إكرام، أستاذة في الابتدائي ومختصة في علم النفس، أن الطفل يفعل ما قد لا يخطر على بال أحد، ولكن في نموه من مرحلة إلى أخرى يتكيف ويقوم بعملية تصفية للسلوكات غير الاجتماعية، ويتبنى السلوكات الاجتماعية من خلال الاحتكاك الاجتماعي والتنشئة داخل الأسرة والمدرسة. وفي تحليلها السيكولوجي لظاهرة سرقة الأطفال لأدوات بعضهم البعض، تقول ذات المتحدثة أن الطفل بسلوكه هذا قد يكون تعبيرا عن رغبته في إقامة علاقة صداقة بمن سرقه أو أنه أراد استفزازه أو أنه أراد أن يحرمه من شيء ما، حتى وإن بدأت علاقته معه بشكل عنيف، ولكن قد يراد من ورائها توطيد علاقة صداقة، وأحيانا تعجبه تلك الأدوات وتجلبه ألوانها وأشكالها، كما يمكن أن يغار من صديقه ويريد أن يملك نفس الأدوات، وبالتالي لا يجب اعتبار الأمر آفة، وإنما سلوكا عاديا يقوم به الطفل نتيجة مجموعة من العوامل. السرقة قد تكون نتيجة حرمان عاطفي وتضيف قائلة أن الطفل عادة ما يخبئ أو يأخذ الأشياء المهمة بالنسبة للآخرين كالنقود، لأنه يلاحظ من خلال المعايشة اليومية أنها من أهم الأشياء لديهم، وعادة ما يكون الدافع هو جلب الانتباه، فعندما يسرق الأم مثلا كأنه يقول لها: "أنا موجود، لذا أخذت ما تحتاجين" تعبيرا عن حاجته لاهتمام أكثر نتيجة الشعور بحرمان عاطفي. السرقة قد تتنامى عند الطفل وتصبح خطيرة عندما يستمر فيها في مرحلة الطفولة المبكرة من ثماني إلى تسع سنوات، أين تتحول إلى اضطراب نفسي أو مشكل اجتماعي، لأن التكرار يولد العادة، وهذا ما يخشاه الأولياء. ولكن ما على الوالدين إدراكه -حسب المتحدثة- هو أن الطفل من سنة إلى ست سنوات يعتبر كل شيء ملكا له، حيث لا يميز بين ملكه وملك الغير، وبعد ست سنوات يصبح يميز هذه الملكية في نطاق محدود، ولكنه لا يعرف أن ما وضعه في جيبه هو سرقة. ومن الحلول التي اقترحتها أن على الوالدين معرفة الدوافع التي أدت بالطفل إلى السرقة، فأحيانا هو علامة على أن الطفل بحاجة إلى اهتمام أكثر، أو لأنه لا يملك ألعابا وغيرها، وفي حال سرق الطفل لعب من المحل فأفضل شيء يجب أن تفعله الأم هو إعادة تلك الألعاب على أن تكون بصحبة الطفل وحثه على الاعتذار لصاحب الشيء مع إفهامه أن هذه اللعبة ليست ملكا له، بل هي ملك للبائع، فبذلك يتعلم ما هي حدوده، من أين تبدأ وأين تنتهي. تعنيف الطفل يؤدي إلى تكرار السلوك كما لا يجب تعنيف الطفل، لأن هذا يجعله عنيدا ويعمل على تكرار السلوك، بل ويتعلم الكذب أيضا من أجل أن يخفف عن نفسه، ولا يجب أبدا أن ننعت الطفل "بالسارق" أو نقول له "ستذهب إلى السجن"، لأن تلك الكلمات لديها تأثيرا كبيرا في نفسية الطفل وتولد لديه مجموعة من الإضطربات. "من الخطأ أن نعاقب الطفل بالضرب، لأنه أصلا لا يفهم أن تلك التصرفات خاطئة، وحسب اعتقاده هو سلوك عادي، وبالتالي يعود ويكرر السلوك، بل ويعمل على إخفائه وبالتالي ينمو معه على هذا الأساس، ولكن يجب استعمال نوع من العقاب كأن نمنع عنه بعض الأشياء التي يحبها مع الشرح له لماذا عوقب؟". الملكية من أهم الأشياء التي يجب أن تعلم للطفل وفي هذا الباب تحديدا، تقول محدثتنا أنه يجب أن نعلم الطفل ما هي الملكية وحدودها من خلال بعض التصرفات اليومية، مثلا ترفض الأمهات تقديم مصروف خاص للطفل وهذه فكرة خاطئة، بل يجب أن نعطيه مبلغا محددا ونترك له حرية التصرف فيه، وهنا يتعلم أن هذا المبلغ له، وهو حر فيه، ولكن مال الآخرين ليس ملكه، أو عندما تدخل الأم إلى غرفة الطفل وتفتش أغراضه هو أيضا سلوك خاطئ، وإنما يجب أن نعلم الطفل أن له أغراضا خاصة لا يطلع عليها الغير، ومن هنا نفهمه أن له خصوصية وكيان مستقل مما يعلمه احترام خصوصية الآخرين أيضا. إن ظاهرة السرقة عند الأطفال سلوك عادي، ولكن كل المسؤولية تقع على الوالدين والأسرة في توجيه الطفل من خلال طريقة التعامل معه في مثل هذه المواقف، وحسب ما أشارت إليه أم إكرام فإن هناك من المعلمين من يقومون بإحراج الطفل أمام زملائه ونعته بالسارق مما يؤزم نفسيته، لذا على المعلمة أن تعرف كيف تتعامل مع الوضع بأن ترجع الشيء المسروق لصاحبه ويعاتب الطفل بهدوء وبعيدا عن أنظار زملائه، فالطفل ليس شريرا بطبعه، وإنما يتصرف بتفكيره البسيط. كما تؤكد الأخصائية أن هناك أناسا أغنياء، ولكنهم يقدمون على سرقة أشياء تافهة ويجمعونها، وهذا حسبها راجع إلى نقص الشعور بالأمان والقلق الشديد، أو ما يعرف في علم النفس بالسرقة النفسية التي تتطور إلى سرقة بالترصد .