هو أحد الذين ساندوا الثورة التحريرية المظفرة منذ بدايتها ، سهل مهمة ممثلية جبهة التحرير الوطني بإيطاليا و فتح لها مجال النشاط السياسي و الدبلوماسي بها، دعمها ماديا و معنويا و سخر لها كل الوسائل و الوسائط الاعلامية . و لم يرضخ اطلاقا لمختلف الاغراءات الفرنسية التي أتيحت له من أجل التخلي عن دفاعه على القضية الجزائرية. لعب دورا محوريا في المفاوضات و خاصة حول ملف الصحراء الجزائرية ، زود المفاوضين بايفيان بملفات أبهرت الفرنسيين و جعلتهم يرضخون للأمر الواقع. ترك الدراسة و فضل الصناعة ولد انريكو مايتي سنة 1906 بأكالنيا في مقاطعة بيزارو من عائلة متواضعة ، كان والده صف ضابط في الدرك الوطني الايطالي . عاش رفقة عائلته المتواضعة بمدينة ماتيليكا ، و نظرا لعدم ميله لمتابعة الدراسة انقطع عنها مبكرا و بدأ مايتي حياته العملية فامتهن في بداية حياته المهنية مهنة البرنقة ثم عمل سنة 1923 بمصنع للدباغة و تخصص في المجال الكيميائي إلى أن أصيح سنة 1929 مدير لمختبر و هو لا يتعدى سن ال 24 سنة . و عشية الأزمة الاقتصادية بداية الثلاثينيات من القرن الماضي تنقل إلى مدينة ميلان و قرر أن يستثمر أمواله المتواضعة في مؤسسة كيمائية سمحت له في وقت قصير أن يدخل مجال الاستثمار و منافسة الشركات الكبرى بميلان . و أثناء تواجده بمدينة ميلان يتعرف مايتي على أستاذ الاحصائيات مارشيلو بولدريني الذي ينحدر من نفس بلدته فيدخله هذا الأخير بين الأوساط المؤثرة في الحزب الديمقراطي المسيحي ،فأصبح عضو بارزا في الحزب الديمقراطي المسيحي، و قائدا مهما في مقاومة الفاشية النازية في ذلك الوقت . انريكو مايتي ينقذ الشركة النفطية AGIP من الافلاس في 28 أفريل 1945 عين محافظا لتصفية المؤسسة البترولية AGIP و التي عانت من تداعيات الأزمة الاقتصادية آنذاك حيث كان سوق النفط محتكر من طرف 7 مؤسسات نفطية منها خمسة أمريكية و اثنان انجليزية و كان يطلق عليها الاخوات السبع بسب احتكارها للسوق النفطية في العالم و تضامنها فيما بينها . و عندما استلم زمام تسيير المؤسسة اكتشف أن لها امكانات و قدرات تجعلها تستمر فطلب من الحكومة إعادة بعثها من جديد. بدأ في أعمال التنقيب و الاستكشاف على النفط و الغاز بإيطاليا فكان أول اكتشاف له بمنطقة ريبالطا سنة 1948 و هذا ما دفع بالحكومة أن تصرف نظرها عن غلق المؤسسة . و هكذا تمت عملية إعادة هيكلة المؤسسة سنة 1953 لتصبح عبارة عن اتحاد شراكة عمومية 60 من المائة من الأسهم تابعة للدولة ENI. لقد تمكن انريكو مايتي من إحداث نقلة نوعية في الاقتصاد النفطي الايطالي بأفكاره و استراتيجيته التي اعتمدت على الانفتاح الاقتصادي القائم على البحث عن أسواق نفطية جديدة في بلدان العالم الثالث و لاسيما بمنطقة الشرق الأوسط و شمال افريقيا . عبد الحفيظ بوصوف يتوسط لدى ملك ليبيا إدريس السنوسي لانريكو مايتي نشأ انريكو مايتي في بيئة ساعدته في تكوين شخصيته المنتفضة ضد الاستعمار و الفاشية . كان على علم و دراية بمشاكل العالم الثالث التي يتخبط فيها آنذاك و حاجته للدعم و المساندة من أجل التخلص من الاستعمار الامبريالي الذي استغل ثرواتها الباطنية و المعدنية استغلالا بشعا. عارض بشدة التوجه الاقتصادي للدول الغربية وهيمنة شركاتها المتعددة الجنسيات و خاصة الأنجلو أمريكية التي كانت تحتكر الأسواق النفطية العالمية و تستغل حقول النفط والغاز الغنية في جميع أنحاء العالم وخاصة في بلدان الشرق الأدنى والشرق الأوسط و شمال افريقيا. كان متفتح سياسيا على أفكار التحرر التي استمدها من تجربته السابقة و من معاناة الشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية في تلك الفترة ، هذا ما جعله أيضا يقترب شيء فشيئا بمختلف الحركات التحريرية العالمية و يقف بجانبها يؤازرها و يدعمها ، فربط علاقات وطيدة مع ممثلية جبهة التحرير الوطني بروما و التي كان يرأسها آنذاك الطيب بولحروف . هذه العلاقة أتيحت له أيضا فرصة اللقاء بالعديد من قادة الثورة في كل من روما و ميلانو و سويسرا والقاهرة و كان من هؤلاء الذي التقى بهم انريكو مايتي نذكر: بن يوسف بن خدة – أحمد بومنجل – امحمد يزيد- محمد الصديق بن يحي و عبد الحفيظ بوصوف فنسج علاقات وطيدة و عميقة مكنته من معرفة الثورة عن قرب و ما كانت تحتاجه من دعم مادي و معنوي. و في إحدى لقاءات ارنريكو مايتي مع عبد الحفيظ بوصوف مهندس المخابرات و الاستخبارات الجزائرية طلب منه أن يتدخل ويتوسط له عند الملك ادريس السنوسي بليبيا من أجل منح شركته امتيازات البحث و استغلال البترول بالصحراء الليبية فتمكن عبد الحفيظ بوصوف من اقناع السنوسي بضرورة مساعدته نظير الخدمات التي يقدمها للثورة و التعريف بها بإيطاليا و دعمها اعلاميا في الاوساط الايطالية و حتى الدولية . انريكو مايتي يدعم الوفد الجزائري بايفيان بوثائق هامة تبهر الفرنسيين يعد ملف المحروقات من بين أكبر نقاط التفاوض بين الطرفين الجزائري و الفرنسي إلا أن الطرف الفرنسي كان يمتنع عن فتحه و الخوض فيه بحجة أان الصحراء تعد إقليما فرنسيا لا يدخل ضمن عرض تقرير المصير و هذا الذي جعل أغلب لقاءات التفاوض تفشل بسبب تعنت الطرف الفرنسي لرأيه. الخبرة التي كان يتمتع بها انريكو ماتيي ومشورته الحكيمة استهوت مجموعة العمل الجزائرية إلى حد كبير في تحديد الطرق الرئيسية لاستراتيجية التفاوض مع الطرف الفرنسي فيما بعد. لقد كان دوما يزود الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بكل المعلومات والوثائق الكاملة بما في ذلك القوانين و الأنظمة التي تتحكم في المجال النفطي بالإضافة لمختلف العقود و السندات و الأسعار و المؤشرات لجميع الشركات العاملة في الصحراء الجزائرية مع تحديد رؤوس أموالها و عائدات فرنسا من نفط الجزائر ليضع هؤلاء المفاوضين في الصورة . لقد لعب لمايتي دورا هاما في المساهمة في تحضير و إعداد ملفات المفاوضات ايفيان بشأن قضية استغلال البترول في الصحراء و بفضل خبرته و حنكته و إلمامه بالموضوع من كل جوانبه سهل لوفد المفاوضين الجزائريين من تأسيس دفاعهم و أطروحاتهم من أجل الحفاظ على التراب الوطني كاملا غير منقوص. كما كان دوما بإتصال مع أعوان عبد الحفيظ بوصوف و منهم لعروسي خليفة و رضا رحال و غيرهم حيث قدم انريكو مايتي خبرته و معرفته لقطاع المحروقات و منها الهمت الخطوط العريضة للاستراتيجية التفاوض مع الجانب الفرنسي و هذا ما أثار دهشته خلال استئناف الرسمي للمفاوضات بلي روس بتاريخ 11 فيفري 1961 حيث كانت المفاجأة كبيرة للوفد الرسمي الفرنسي عندما أطلع على هذه الحجج و الوثائق وبناء على ذلك قدم الوفد الجزائري المفاوض ستة نقاط أساسية و هي: 01- السيادة الكاملة للدولة الجزائرية على كل الثروات النفطية و المعدنية بما فيها الباطنية. 02- احلال الدولة الجزائرية للدولة الفرنسية في جميع الأصول التي تحتفظ بها في الشركات العاملة. 03- لا يجوز تنازل جديد للبحث و الاستكشاف و الاستغلال. 04- لا يجب إحداث أية تعديلات في الأسعار المرجعية للنفط و الغاز. 05- لا يجب إجراء أي تغيير على رأس المال في الأصول من أسهم الدولة الفرنسية . 06- لا يجب إدخال أية تغييرات على معدل الضرائب الموجود سابقا. انريكو مايتي يسخر وسائل الاعلام الايطالية لخدمة الثورة وسع انريكو مايتي نفوذه السياسي و الاعلامي من خلال امتلاكه لأسهم معتبرة في العديد من وسائل الاعلام الايطالية و منها جريدة اليوم llGiorno و كدا تمويل الأحزاب القريبة من اليسار الديمقراطي للدفاع عن القضية الجزائرية و التعريف بها لدى الأوساط الايطالية و العالمية . جريدة اليوم llGiorno كانت من بين الجرائد الايطالية التي التزمت بوضوح موقفها حول القضية الجزائرية و الذي كان أكثر وضوحا و تأييدا لها و أكثر انتقادا للسياسة الفرنسية بالجزائر . وفي نوفمبر 1957 تنشر جريدة اليوم llGiorno مقالا افتتاحيا لمديرها جيتانو بالدكسي الذي يحتج على ما تدعيه فرنسا أن الصحراء ملك لها و ثرواتها تعود لها و يطالب بإحقاق السلم في الجزائر. قام انريكو مايتي بتجنيد الطبقة السياسية الايطالية لدعم القضية الجزائرية إلى درجة أصبحت فيها ايطاليا البلد الأوروبي الوحيد حيث بإمكان جبهة التحرير جبهة الوطني تفعيل نشاطها السياسي و الدبلوماسي دون عوائق . كما بعث انريكو مايتي أقرب معاونيه و هو ماريو بيراني Mario Piraniو هو صحفي بجريدة روبيبليكا Republica إلى تونس في جانفي 1962 لإجراء لقاءات مع عبد الحفيظ بوصوف و كريم بلقاسم و محمد الصديق بن يحي و لمناقشة القضايا السياسية و الاقتصادية و لاسيما قضية المحروقات مع أعضاء وزارة التسليح و الاتصالات العامة المكلفين بملف المحروقات و منهم محمد خلادي رضا مالك و قاصدي مرباح و حمود حمرة كروة. من المسؤول عن تصفية مايتي ؟ كانت ترى وزارة الخارجية الفرنسية أن أراء جريدة اليوم هي أراء ارنريكو مايتي معتبرة أياه الناطق الرسمي للسياسة الخارجية لإيطاليا خاصة في تعاطيه مع الملف الجزائري و قد حاولت مرارا استدراجه و استمالته ولم تتوقف عند هذا الحد فقط بل عرضت عليها عدة امتيازات للاستثمار بالصحراء الجزائرية نظير توقفه عن دعم الملف الجزائري غير أنه فضل أن يدعم جبهة التحرير الوطني في كفاحها العادل. وفي 27 اكتوبر 1962 تعرض ارنريكو مايتي إلى حادث تحطم طائرته التي كانت متجهة من كاتانيا بصقيلية نحو مطار ميلان حيث دهب ضحيتها مايتي رفقة قائد الطائرة Irnerio Bertuzzi و الصحفي الامريكي ويليام مكهالWilliam McHale من جريدة تايم لايف Time-Life. و الحقيقة أن الكثير من الأطراف لديها مصلحة من مقتل مايتي و منها : - الاخوات السبع أو الشركات الانجلو امريكية التي كانت تحتكر السوق النفطية في العالم حيث أان شركة ايني ENI اتي كان يديرها مايتي أثرت على مردودية هذه الشركات و انقصت من ابرام عقود جديدة خاصة مع المغرب و ليببا و بلدان اخرى من العالم . - لا يستبعد أيضا أن وكالة الاستخبارات الامريكية قد لعبت دورا بارزا في قضية مايتي لان منذ اعتلاءه الشركة غير بعض الشيء من السياسة الطاقوية بحوض البحر الابيض المتوسط و أحدث أيضا اختلالا في القوى الجوسياسية بالعالم. - عرفت تلك المرحلة تصاعد من حدة التوتر بين القطبين الرأسمالي و الاشتراكي و خاصة أثناء ازمة الصواريخ بكوبا و ميل السياسة الايطالية للروسيا ،هذا ما جعل الولاياتالمتحدةالامريكية تتخوف أكثر من التحاق بعض الدول الأوروبية بركب ايطاليا . - لفرنسا أيضا مصلحة للقضاء على مايتي لأ نه وقف في وجهها و ساند القضية الجزائرية منذ بدايتها و رغم الامتيازات و التسهيلات التي منحت له من أجل استغلال حقول النفط بالصحراء الجزائرية إلا أنه رفض كل ذلك و فضل التفاوض مع جبهة التحرير الوطني. - وقد تكون داخلية بسبب امتلاك شركة اينيENI لمصادر القرار و تحكمها في كل كبيرة وصغيرة في السياسة الداخلية و حتى الخارجية لإيطاليا. وقد كان نفوذ الشركة واسعا و من المحتمل أن تكون بعض مراكز القرار و المافيا الايطالية قد تضايقوا من نشاط مايتي الذي قلص من نشاطهم و مس مصالحهم الاستراتيجية التي لا يجب اللعب بها.