التغيير : هو عملية تحول من واقع نعيشه نراه غير ملائم من كل النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية .......إلخ الى حاله منشوده نرغب فيها تضمن عدم مواصلة الرداءة الحالية وفق نظرة جديدة ومتجددة. ولكن التنظير لفكرة التغيير دائما يصطدم بردة فعل قوية رافضة لأي كلام عن التغيير ولعل الرافضون لهذه الفكرة يبنون بينهم وبين فكر التغيير حواجز عديدة بسبب برمجة مغلوطة ساقت لهم الكثير من الأفكار السلبية حول مفهوم التغيير. ولعل ما سهل هذه البرمجة الخاطئة وساعد على ترسيخها في عقول العديد من الناس هي وبالدرجة الأولى فشل موجة الربيع العربي أو إفشالها في الدول العربية التي مستها موجة التغيير وفق انتهاج أسلوب الربيع العربي والعامل الثاني الذي رسخ تلك الصورة الخاطئة وعلى وجه الخصوص عند الشعب الجزائري هي العشرية السوداء بالرغم من أن فكرة التغيير ليس لها أية علاقة بالعشرية السوداء. إن فكر التغيير مظلوم تماما مثل الإسلام، فالاسلام مظلوم بسبب تصرفات بعض المسلمين أو المحسوبين على الإسلام وهذا ما يدفع الغرب إلى إصدار حكم خاطئ على الإسلام بسبب عدم الفصل بين الإسلام وتصرفات بعض المسليمن الذين يسيئون للإسلام بتصرفاتهم، وبنفس الطريقة تعرض فكر التغيير للظلم وإصدار أحكام قاسية عليه وعلى المنادين بالتغيير، فتصرفات البعض الذين لم يحسنوا اختيار طرق ووسائل التغيير لا يجب أن تدفعنا إلى الحكم وبالعموم على التغيير أنه يجلب الدمار والخراب للدول والشعوب، فكما يجب أن نتعرف على الإسلام بشكل نظري ثم نقارن الإسلام كدين وفكر ومنهج حياة بواقع المسلمين ولا نسعى لدراسة الاسلام من خلال واقع المسلمين، وفيما يتعلق بالتغيير لا بد أن ندرس كل حالة على حدى فلو فشل التغيير بسياسة الربيع العربي هذا لا يعني ان التغيير ليس جيدا بل الطريقة ليست جيدة. فعندما يفجر مسلم قنبلة في أحد شوارع أوربا هذا لا يعني ان الاسلام ليس جيدا. لو يتعرف الغرب جيدا على الاسلام دون برمجة سابقة مغلوطة لعرفوا أن الاسلام يحرم مثل تلك الأعمال، ونفس الأمر بالنسبة لرافضي فكر التغيير لو تعرفوا على فكر التغيير في أصله لعرفوا انه سنة كونية لابد منها وهو لا يعني أبدا الفوضى والدمار. وفلسفتي أنا فيما يخص منهج التغيير هي مستمدة من القران الكريم ومستوحات من الأيتين الكريمتين الوحيدتين اللتين ذكرتا التغيير كمنهج في المجتمعات الأيتين: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) نجد في القرآن الكريم أن التغيير الاجتماعي أو المجتمعي مبني على ضرورة التغيير الفردي بإصلاح النفس ولعل الكثير من الناس لم يفهموا السر الدفين في نص الآية الأولى وحتى الثانية وهذا الفهم الخاطئ كان أحد أسباب بناء الحواجز بين المرء وفكرة التغيير وهو الفهم الخاطئ لفكرة ان يبدأ المرء في التغيير من نفسه وعلى كل واحد ان يغير نفسه. وانا هنا أطرح سؤال أوضح وأقرب به الفكرة ليتضح المعنى الحقيقي للآيتين بخصوص مبدأ تغيير النفس وهو، من يغير من؟ لو كان التغيير منوطا بالشخص وحده منفردا وهو فرض عين على كل شخص لما أرسل الله سبحانه وتعالى نبيا واحدا لكل قوم ولجعل كل الناس أنبياء. ولكن لإحداث التغيير في المجتمع يكفي أن يؤمن بالتغيير فرد واحد ليقود عملية التغيير التي يجب أن تكون وفق منهج الله لأنك إن بدأت بتغيير نفسك ستكون جاهزا لتنتقل إلى مرحلة ثانية ودرجة أعلى هي مساعدة الغير على التغيير وحملهم عليه وفق مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فكل شخص يغير نفسه للأفضل يكون ملزما بحمل رسالة التغيير. ويمكن أن نستبط أن تغيير النفس في الآيتين الكريمتين المقصود به إيمان شخص أو فئة بالتغيير ومن ثم حمل الناس على التغيير ومساعدتهم عليه من خلال ما يلي: 1/ أن الله سبحانه وتعالى أرسل الأنبياء والرسل فرادى لا جماعات. 2/ أن الله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم }، فهنا نجد ان القرآن الكريم أسند مهمة تفقيه الناس أمور دينهم للفئة القليلة وجعل من الفرقة أو الجماعة فئة متلقية. 3/ وفي القصة المأثورة أن الله سبحانه وتعالى أرسل ملكا ليخسف الأرض بقرية من قرى الأرض فذهب الملك ثم عاد إلى الله وقال له: يا الله لقد وجدت في تلك القرية رجلا عابدا زاهدا فقال له الله تعالى: به فابدأ وكان هذا عقابا لذاك الشخص لانه لم يقم بواجبه في دعوة الناس للتغيير وحملهم عليه. المجتمعات التي يسود فيها التناصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي مجتمعات سائدة وقوية وإن حدث العكس فسيحدث أيضا تغيير للمجتمع ولكن نحو الأسوأ. فالتغيير في القرآن تغييران، تغيير نحو الأفضل يأذن به الله بشرط انتشار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو كان هذا من فئة قليلة لأن الله أوكل لذاته تحقيق التغيير ولم يجعله منوطا بعدد الداعيين للتغيير، وهناك تغيير نحو الأسوأ وهو نتيجة أقرها الله كعقاب للمجتمعات التي تنادي بالتغيير أيضا ولكن نحو الأسوء وفي التغيير الثاني لا يحكم الله على كل المجتمع بالعقاب بجريرة فئة قليلة تنادي إلى التغيير السيئ بل إن الله يعاقب الأقوام لما يتحول الباطل بينهم إلى حق. وعليه فإن الله ينصر الداعيين للتغيير الإيجابي على قلتهم ويأذن بحدوث التغيير في المجتمع، ويأذن بزوال النعمة على المجتمع لما يتخلى المجتمع بشكل جماعي على قيم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالتغيير الحقيقي والدعوة إلى التغيير يجب أن يكون منبعها الدين ومسارها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومصبها الناس كل الناس دون استثناء أو تمييز. وتكمن اهمية التغيير في خروج الانسان من حالة هو يرفضها الى حالة هو ينشدها متحديا لكل العقبات التي تعترضه متطلعا إلى مستقبل مشرق ينتظره و في هذه الحالة الشعورية يجدد الانسان حياته و يتجه بها نحو الافضل متوكلا على الله و واثقا من نفسه و من قدراته على التغيير.