لن ننسى كجزائريين عام 2009 بسهولة، ليس لأنه العام الذي أعيد فيه انتخاب عبدالعزيز بوتفليقة رئيساً للبلاد لولاية ثالثة على التوالي، أو لقرار الحكومة بزيادة 25% في الأجر الأساسي المضمون، ولا حتى فاجعة انتشار فيروس H1N1 الذي مازال يحصد ضحاياه، وإنما للفرحة الأسطورية التي صنعها تأهل منتخب كرة القدم قدم لنا أكبر هدية "محاربي الصحراء" بجدارة إلى نهائيات مونديال جنوب إفريقيا 2010 عقب تغلبهم على الفريق المصري 1-صفر في المباراة الفاصلة التي أقيمت بينهما في 18 نوفمبر بالخرطوم بعد إعتداءات سافرة وصنعوا مجدا كبيرا يضاف ويحسب للجزائريين . لن ننسى كجزائريين عام 2009 بسهولة، ليس لأنه العام الذي أعيد فيه انتخاب عبدالعزيز بوتفليقة رئيساً للبلاد لولاية ثالثة على التوالي، أو لقرار الحكومة بزيادة 25% في الأجر الأساسي المضمون، ولا حتى فاجعة انتشار فيروس H1N1 الذي مازال يحصد ضحاياه، وإنما للفرحة الأسطورية التي صنعها تأهل منتخب كرة القدم قدم لنا أكبر هدية "محاربي الصحراء" بجدارة إلى نهائيات مونديال جنوب إفريقيا 2010 عقب تغلبهم على الفريق المصري 1-صفر في المباراة الفاصلة التي أقيمت بينهما في 18 نوفمبر بالخرطوم بعد إعتداءات سافرة وصنعوا مجدا كبيرا يضاف ويحسب للجزائريين . لقد سبق أن تأهلت الجزائر إلى مونديال 1982 بإسبانيا، بعدما هزمت العملاق الألماني 2-1 في مباراة وصفت ب"التاريخية"، كما تأهلت إلى مونديال مكسيكو 1986 ونالت كاس أمم إفريقيا أربع سنوات بعد ذلك، لكن فرحة جماهيرها لم تصل ربع أو ثلث فرحتها بالتأهل إلى مونديال جنوب إفريقيا، بل شبهت بيوم تدفق الشعب الجزائري على الشوارع احتفالاً باستقلال الجزائر عن فرنسا رسمياً يوم 5 جويلة 1962 والحقيقة أن "الخضر" نجحوا في توحيد الجزائريين وزادوا في اعتزازهم ببلادهم وعلمها الذي أصبح قاسمهم المشترك بامتياز، وهي المهمة التي فشل عندها كل من حاول أو زعم ذلك. ويتفق المتتبعون للشأن الجزائري أن تألق منتخب كرة القدم أحدث استقراراً سياسياً غير مسبوق، بدليل أن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الذي أعيد انتخابه في 9 افريل بنسبة تفوق 90%، تخلى عن العرف واحتفظ بكامل طاقمه الحكومي رغم أن أداءه لم يكن محل إعجاب من قبل الرئيس نفسه. وقد وجد بوتفليقة في نتائج منتخب كرة القدم فرصة "نزلت من السماء" لكبح طموحات ومطالب من ساندوه في حملته الانتخابية. وفي المقابل فإن غياب الحراك السياسي واقتصاره على النشاط الرسمي للحكومة وأحزاب "الموالاة" قابله انحسار كبير للعمليات الإرهابية بعدما نجحت الأجهزة الأمنية بفضل الجهود الجبارة في عزل الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة وكسر شوكتها وشلّ نشاطها بشكل كبير مقارنة بالسنوات الماضية. وعلى الصعيد الاقتصادي، يبقى الحدث الأبرز هو مراجعة الحكومة لقانون الاستثمار، من خلال الإجراءات التي تضمنها قانون الموازنة التكميلي 2009، الذي نص صراحة على وجوب منح نسبة لا تقل عن 51% عن أي مشروع استثماري تكون شركة أجنبية طرفاً فيه، الأمر الذي أثار بعض القلق لدى المستثمرين الأجانب الذين اعتبروا القرار محاولة للعودة إلى "الاقتصاد الاشتراكي". وأكدت الجزائر أنها ماضية في مخططها الاستثماري الخماسي "الثاني" الذي يمتد إلى 2014 بقيمة 150 مليار دولار رغم تراجع عائداتها من مبيعات النفط والغاز إلى حوالي 40 مليار دولار مقابل أكثر من 76 مليار دولار العام الماضي. زيادة الأجور وفي خطوة وصفت ب"الشعبوية" أكثر من شيء آخر، قررت الحكومة مطلع ديسمبر زيادة 25% في الأجر القاعدي المضمون، ما سيكلف الخزينة العمومية حوالي 4 ملايين دولار ناجمة عن دفع متأخرات المنح والعلاوات للموظفين في حين سترتفع الكتلة السنوية للأجور بداية من العام المقبل من 19 مليار دولار إلى 21 مليار دولار. هذه "الاستجابة المتأخرة" التي تم الدعوة إليها منذ شهور جاءت في أعقاب سلسلة من الإضرابات شلت قطاعات حساسة على غرار التربية والتعليم والصحة وأثرت خاصة على التحصيل العلمي للتلاميذ الذين وجدوا أنفسهم بين نارين. نزول الجزائريين بمئات الآلاف، بل بالملايين للاحتفال ب"النصر الكروي" لم يُخفِ الواقع المرّ لشريحة كبيرة منهم، فخرج بعضهم بولايات عديدة بشرق ووسط وغرب البلاد في مظاهرات احتجاجاً على أوضاعهم الاجتماعية المزرية كافتقادهم للسكن اللائق وضروريات الحياة الأخرى، غير أن أعنفها كان "انتفاضة" سكان حي "دار الشمس" الذي لا يبعد سوى كيلومترات قليلة عن مكتب الرئيس بوتفليقة. ولم تنجح الأجهزة الحكومية بالرغم من كل التدابير الاحترازية التي اتخذتها في الحد من ظاهرة هجرة الشباب والالتحاق بالضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط. وأحصى حراس السواحل مئات التدخلات أنقذ خلالها مئات الأرواح أيضاً من الموت المحقق بينما قضى آخرون غرقاً دون أن ينعموا ب"الحلم الأوروبي". وكانت الجزائر عاصمة للثقافة الإفريقية، فاحتضنت المهرجان الثقافي الإفريقي الثاني بالعاصمة الجزائر بعد 40 عاماً من المهرجان الأول الذي أقيم بالمكان نفسه، كما حافظت على تقاليد دأبت عليها في السنوات الأخيرة وتخص تنظيم فعاليات عربية ودولية في الغناء والسينما عرفت حضور ألمع الأسماء. وما كاد عام 2009 يضع أوزاره حتى حط "غول" داء فيروس إنفلونزا الخنازير في البلاد وأصيب الكثير من الناس بحالة من الذعر لم يعرفوها من قبل بعدما توالت أخبار سقوط الضحايا الواحد تلو الآخر. ووجدت وزارة الصحة نفسها ومعها الحكومة في مواجهة انتقادات لاذعة بسبب فشلها في ضبط خطة وقائية تؤكد تحكّمها في الوضع. هذه هي جزائر 2009 وكل عام وانتم بخير والجزائر بألف بخير .