من يقرأ للإسلام جيدا ويطالع جانبا من حياة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لوجد أن مبادئ الدين الإسلامي لا تنحصر في كونه يأمر بالعبادات ويتلذذ طعم الترهيب في الدين، ولكنه كان يلح كون أن تعاليم الدين كلها تحبذ الحب والتسامح والتواد والتقارب، ولعله الغرض الأول الذي تتطابق فيه الأخلاق بكل العلاقات الإنسانية. ولعل من يقرأ سيرة ابن هشام ويقرأ بدايات الدعوة- ومن لم يتسن له ذلك فليشاهد فيلم الرسالة الشهير- يرى أن الكفار حرموا الرسول صلى الله عليه وسلم حق الكلام، بل وحاربوه حربا ضروسا مقابل كلمة واحدة أراد قولها، ماذا كان يحدث لو منحوه حق الكلام لساعات؟ هل كان ذلك ينقص من قوتهم؟ أم من شأنهم؟ أم من مالهم وعرضهم؟. لقد احترم ديننا الحنيف لغات العالم، واحترم أديان العالم وفضل الإنسانية بكل أبعادها عن كل الأديان، فكان من مبادئه أن علمنا آداب الحوار وكيفية التعامل مع الأطراف الأخرى حيث قال جل وعلا: "جادلهم بالتي هي أحسن"، فكانت بداية تعلم آداب الحوار والمجالسة. ولقد حثها الصحابة في الفتوحات الإسلامية فما فتحوا بلدا حتى حاوروا القادة أولا,فمتى اقتنعوا بفكر الإسلام ومطالبه وبدعائه للسلم متى رفعت عنهم أوزار الحرب وكفوا أنفسهم الدماء والخسارة، والمواقف التاريخية كثيرة لا يتسنى المقام لذكرها. ومازال لم يمح من التاريخ أحداث الفتنة الكبرى ومقتل سيدنا عثمان رضي الله عنه عندما اتهموه وهو سيد الرجال وذي النورين وأشد الأمة حياء وقد حرموه الحق وحرموه الدفاع عن نفسه فبصموا لأنفسهم عبر سجلات التاريخ دما لم يمسح التاريخ كله عاره وحملنا ذنبا لسنا أهلا له وركبت على ظهورنا دعوته أن لا نتحاب بعده أبدا فماذا جنينا بعد ذلك من إراقة دمه؟ عندما قامت تلك السياسة والتي سموها: الربيع العربي والثورات وما إلى ذلك من اختلاف المصطلحات، تغنى رجال السياسة بما حدث وأطنبوا وتباهوا بأنهم تنبئوا بما سيحدث- وكأنهم عرافات يضربن خط الرمل – ومنحت لهؤلاء مساحات في الإعلام ليطنبوا في الكلام بل وليشعروا غزلا بأن هذه الثورات سوف تمنحنا الحرية والتغيير إلى ما هو أفضل، فهل هناك أغبى منهم؟ لقد منحنا العدو مساحة خضراء ليزرع فيها من شجيراته صنع يده وليس خليقة الله تعالى، فمن أين أحضروا عقولهم وتوارثوها؟ هانحن نخسر زينة رجال الأمة فقط لأننا بخلنا عليه بمساحة لإبداء رأيه وقول الحق الذي رفضه الكثيرون، فهل نحن نحتاج أن نحمل أنفسنا وزر نقمة أخرى كتلك التي توارثناها من مقتل عثمان؟ والله إن ديننا يحب الحوار ويمجده، بل ويمنح للإنسانية وسعا لا حدود له، فليس هناك اختلاف بيننا وبين مخلوقات الله إلا في حق الكلام، فإن حرمتمونا إياه بماذا شبهتمونا إذا؟