ليس من المستغرب القول بأن الحرية هى الإبن الشرعى للفوضى ، لأن الفوضى هى حصاد و محصلة ممارسات كل أفراد المجتمع لحرياتهم ، من خلال ممارسة كل فرد لحريته دون إعتبار لحرية الآخر ، و لعل القوانين و الضوابط التى تضعها الدولة فى أى مجتمع إنسانى تكفل ممارسة مجموع الأفراد كلٌ لحريته ، لذا فإن المطالبة بالحرية خارج إطار القوانين و الضوابط ، فهى دعوة إلى العبث و الفوضى و بالتالى تغيب الحرية عندما تغيب معها الضوابط و كفالة حقوق الاخرين فى أن ينالوا حريتهم ، و من الجدير بالاشارة بأن حرية الفرد تنتهى عندما تبدأ حرية الآخرين ، و غالبا ما يتردد على مسامعنا كلمة( أنا حر ) أو طبعا ( أنا حره ) ، و عندما نريد أن ننبهه إلى خطأ ما قد أرتكب ، فنجد أنه يقابلنا من أرتكب الخطأ بمقولة أنا حر ..!! فهل من حق أحد أن يقول أنه حر و يخطئ فى غيره و يعتدى عليه ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا ضرر و لا ضرار ) ، و لعل الأديان قد أعطت الاباحه فى أمور ولم تطلقها مثلما أباحت للمرأة التزين و لكن بحدود معينة و ضوابط محكومة ، فإن هى خرجت عن هذه الضوابط بزعم الحرية فقد أضرت بنفسها لأنها فى المقام الاول قد عصت الله تعالى ، و خالفت أوامره ، و أضرت بما حولها من الشباب الذين قد يفتنون بما يرونه من مظاهر التبرج ، فالحرية ليست أن تفعل ما تشاء وقتما تشاء و بأى أسلوب تشاء . و من ظاهر الأمور أننا نسمع وسمعنا و مازلنا نسمع عن حب المواطن للوطن ، فإن إعلانه هذا يجب أن يخلو من شبهة النفاق ، فحب الوطن أساسه أن يحب المواطن مواطنيه لأنهم شركاء معه فى الوطن ، فما جدوى حب الوطن إن لم يكن المواطن محباً للمكون الرئيسى للوطن ، من بنى جلدته ورفاقه داخل الوطن ، فإن لم يكن حب الوطن متضمنا حب مواطنية فهذا فى حد ذاته لغو و زيف يجب أن لا يلتفت اليه . فاللغو كما نعرف فى اللغة هو ما لا يعتد به من الكلام و غير الكلام ، و قد رأينا و مازلنا نرى بعض الأفعال الجماعية تمثلت فى شكل إعتصامات و مظاهرات و إحتجاجات ، حتى أخذت منحى أحيانا من العنف الغير مبرر ، و خرج علينا فئات كثيرة تطالب و تلح فى المطالبه بحقوقهم ، فإن كنا نراها أنها شرعية فى مضمونها و جديرة بأن تطلب ، ولكن ليس وقتها جميعا الان ، أننا قطعنا شوطا كبيرا فى تحريك المياه الراكده ، فماذا نصر على تعكير المياة بأيدينا ؟ فإن كان حق الإضراب و حق الامتناع عن العمل من أجل تحقيق مصالح حيوية للمضربين أو الممتنعين عن العمل ، لا نجادل فيه وهو حق مشروع ، لكن قد يغيب عن البعض أن ممارسة الحق يجب ألا يساء إستخدام هذا الحق و إلا خرج عن مشروعيته و أصبح عملا عبثيا ، لا يرقى إلى أن نضعه من الحقوق المشروعه و بالتالى فأى عمل تقوم به فأنت مقيدا بعدم الإضرار بغيرك عند ممارستك لحقك ، فإن أنت خرجت عن هذا السياق فى ممارسة الحق فقد عبثت و أفسدت و يجب عليك الحساب . و إن كنا جميعا نحب الوطن حباً على المشاع فليس لأحد أن يحتكر ذلك لنفسه دون الاخرين و من صور حب الوطن أن تسعى إلى رقية و تقدمة و إذهاره خاصة و هو يدعوك الأن أكثر من أى فترة ماضية و يلح عليك بأن تبذل من العطاء ما يجعلك تكاشف بحبك لوطنك ، و أن يخلو حبك لوطنك من شبهة النفاق ، و أبسط صور حبك لوطنك هو أن تحب من هم شركاء معك فى هذا الوطن ، نسمو به نبذل الغالى و النفيس ، نصون المكتسبات و نحلم بأن نعيد البوصله الى الهدف النبيل ، نكثر من العطاء لا نتكاسل و نركن إلى أن نحصل على ما نريد ثم نعطى ما يطلب منا ، علينا جميعا أن نبادر بالعطاء و قبل فوات الأوان ، دعونا نكف عن الأنتظار و الترقب و هيا بنا نعمل نحو البناء و التقدم و النماء ، إنها لحظات فارقة فى حياة الوطن فهل نجتمع جميعا على كلمة سواء ، نحو فى وطن متشوق لرجاله أن يعيدوا اليه الامن و الامان ، ألم تسمعوا إلى قول الله تعالى : ” كنتم خير أمة أخرجت إلى الناس “. عليكم أن تبعثوا فينا الامل و تدعو إلى العمل ، وتزيدوا الحياة قوة ، و تزينوها بهجة ، ولا تسمعونا صوت المعاول إلا إذا أريتمونا حجر البناء ، مأ أحوجنا جميعا فى هذه الأونة إلى دعوة للعدول عن سقطاتنا و النهوض من عثراتنا . [email protected]