لعلّ الكثير من الجيل الحالي لأنصار اتحاد البليدة يجهل أن كمال جحمون لعب لفريقهم ولمدّة خمس مواسم كاملة، وسجّل أكثر من 100 هدف، لا لشيء وإنما للطريقة التي همّش بها من طرف كلّ من تداول على رئاسة الفريق منذ أن غادر اتحاد البليدة عام 1987 باتجاه مولودية العاصمة. حاوره: كريم مادي كمال جحمون وبعد أن بات أحد نجوم الكرة الجزائرية في نهاية النّصف الثاني من عشرية الثمانينيات قرّر حزم حقائبه والرحيل عن فريق مدينة الورود، حيث حلّ في بداية الأمر بعميد الأندية الجزائرية المولودية، وبعدها بدأت رحالاته، حيث لعب لكلّ من شباب بلوزداد أولمبي المدية والعديد من الفرق الصغيرة. مسيرته في فريق مدينة الورود وأمور أخرى ارتأينا أن نقدّمها لم عبر هذا الحوار الذي خصّنا به ابن مدينة العفرون وصاحب القذفات المدفعية عشية إقامة مباراته الاعتزالية هذا الجمعة بملعب (براكني) بمدينة البليدة. * هل من مقارنة بين كمال جحمون اللاّعب وكمال جحمون الحالي؟ ** هناك فروقات كبيرة، فكما تلاحظ الشيب غزى رأسي، كما أنني على عتبة سنّ الخمسين، بالأمس كنت لاعبا واليوم مدرّبا وهي سُنّة الحياة. * كم سنة قضيتها في ملاعب الكرة؟ ** كلاعب حوالي ربع قرن، لعبت من خلالها للعديد من الفرق، البداية كانت في فريق مسقط رأسي نجم العفرون انتقلت بعدها إلى اتحاد البليدة، ثمّ إلى مولودية العاصمة وبعدها احترفت بفرنسا لمدّة سنة كاملة لأعود من جديد إلى الجزائر وأمضي لفريق شباب بلوزداد، ومنه إلى فريق أولمبي المدية، وبعدها لعبت لعدد من النوادي الصغيرة منها فريق مسقط رأسي نجم العفرون. * على مدار كلّ هذه المحطات التي تقدّرها بحوالي ربع قرن، كيف تقيّم مشوارك الكروي؟ ** لولا كرة القدم لما كنت اليوم معك، ولولا كرة القدم لما عرفت الرّجال، ولولا كرة القدم لما زرت العديد من البلدان حتى تلك التي تقع في أقصى الكرة الأرضية، فكرة القدم والحمد للّه أعطتني كلّ شيء، فالمكانة التي أتواجد فيها لدى الكثير من الجماهير الجزائرية أحسن ما أعطتني الكرة بدليل أن أيّ مكان أقصده إلاّ وأجد نفسي معزّزا مُكرّما. * وماذا عن المال؟ ** كرة القدم لم تعطني المال، فلولا قرار الوزير السابق للشباب والرياضة الدكتور يحيى فيدوم الذي أصدر قرارا بدمج اللاّعبين الدوليين القدامى ضمن مديريات الشبيبة والرياضة في الولايات التي يقطنونها لكنت اليوم دون راتب شهري أعيل به أسرتي. * يفهم من كلامك أنك لا تملك أيّ مدخول آخر... * أكيد لا أملك أيّ مدخول آخر، أنا أنتظر نهاية كلّ شهر لأحصل على الرّاتب الشهري من مديرية الشبيبة والرياضة، لذا أقول بالمناسبة شكرا للوزير فيدوم. * لكن سبق وأن قلت لي إنك لعبت كرة القدم مدّة ربع قرن، فأين ذهبت تلك الأموال التي حصلت عليها من جميع الفرق التي لعبت لها؟ ** الفترة التي لعبت لها تختلف كلّية عن الفترة الحالية، كنت ألعب من أجل حبّ الألوان وأدافع عن القميص الذي أرتدي بالدم وليس من أجل المال كما هو الحال في وقتنا الحاضر، حيث نجد اللاّعب يلهث وراء الأموال أكثر من لهثه وراء الكرة داخل الملعب، الأمر الذي أفقد كرة القدم رونقها وشعبيتها لدى الجماهير بدليل أن العديد من ملاعب الكرة عندنا باتت تلعب أمام مدرّجات شبه شاغرة، زد على ذلك أن لهث اللاّعبين وراء الأموال ولّد لدى الجماهير نوعا من انعدام الثقة بينه وبين فريقه طالما أنه يدرك تمامت أن الناخب الذي تمّ استقدامه لا يحبّ فريقه، بل قدم من أجل الأموال، لذا لا يمكن إجراء مقارنة بين الجيل السابق والجيل الحالي. * إذن انتقالك من نجم العفرون إلى اتحاد البليدة في منتصف الثمانينيات تمّ دون مقابل... ** أكيد تمّ دون مقابل، فرغم أنني لعبت لاتحاد البليدة مدّة إلاّ أن ذلك كان دون مقابل، وأتحدّى أيّ شخص كان في الفريق أن يقول إنه منح لي سنتيما واحدا مقابل إمضائي. * إلى هذا الحد كنت تحبّ اللّعب لفريق مدينة الورود؟ ** لو انقلبت عجلة التاريخ فإن أحسن لاعب في الوقت الرّاهن في اتحاد البليدة لا يمكنه حتى حمل الكرات، جيل الأمس كان يملك الغيرة على اتحاد البليدة، كما أن المسيّرين كانوا غيورين على اتحاد البليدة أشبه بغيرة الأب على بيته وعلى أفراد عائلته، الكلّ كان يحترم الآخر، زد على ذلك أنه كانت علاقة متينة بين جماهير النادي والإدارة المسيّرة واللاّعبين، فنادرا ما تسمع كلام سبّ أو شتم لرئيس النادي أو للاّعبين، الكلّ كان يغادر الملعب بالكلام الحلو، فأين نحن من أيّام زمان؟ * ماذا تريد أن تقول عن فريق اتحاد البليدة الذي لعبت له خمسة مواسم كاملة خلال عشرية الثمانينيات؟ ** الذي يجب أن أقوله هو أن فريق اتحاد البليدة منذ أن كان على رأسه الحاج بن دالي تنكّر للجميل الذي قدّمته للفريق، فرغم أنني حملت ألوان الاتحاد لخمسة مواسم متتالية وفي عزّ عطائي لا أحد من المسيّرين الذين تعاقبوا على الفريق تذكّر اسمي ولو بتوجيه دعوة لحضور لقاء ما، جميع اللّقاءات التي حضرتها منذ أن تركت الفريق كنت أحضرها كمحبّ وكمناصر للفريق، أكثر من ذلك هناك من المسيّرين من كانوا ينظرون إليّ نظرة احتقار وكأنني ارتكبت في حقّ الفريق جريمة كبرى، متناسين ومتجاهلين المواسم الخمسة التي حملت فيها ألوان الفريق دون مقابل. * كيف كنت تجدّد عقدك في فريق اتحاد البليدة؟ ** دون مقابل، إلى درجة أن ذات موسم جدّدت عقدي من فوق (كابو) سيّارة رئيس الفريق على ورقة بيضاء رغم أنني كنت لاعبا دوليا ضمن المنتخب الوطني الأوّل الذي كان يضمّ نخبة من اللاّعبين الكبار، أخصّ بالذكر كلاّ من بلومي وماجر وعصّاد ومنّاد ودريد، كان بإمكاني أن أن أطلب أموالا لتجديد عقدي لكنني لم أطالب بذلك لا لشيء إلاّ لحبّي الكبير لألوان اتحاد البليدة. * رغم هذا الحبّ تركت فريق مدينة الورود واتّجهت إلى فريق مولودية العاصمة... ** هم أرغموني على الرحيل، فلو كانت لديّ نيّة في ترك اتحاد البليدة لتركتها بعد الموسم الأوّل حين تلقّيت العديد من العروض من شبيبة القبائل واتحاد العاصمة وشباب بلوزداد ونصر حسين داي ومولودية وهران ومولودية الجزائر، لكن حين تأكّد لي أن بقائي في الاتحاد ما هو إلاّ مضيعة للوقت وتحطيم لمستقبلي الكروي، خاصّة وأنني كنت لاعبا دوليا فضّلت الانتقال إلى مولودية العاصمة. * لو كنت اليوم لاعبا بكم ستمضي وأنت الذي كنت تجدّد عقدك في الفريق دون مقابل؟ ** من الأحسن أن أترك هذا الجواب للقارئ الكريم للردّ عليه، فمادمت قد حصلت على مبلغ 140 مليون سنتيم في المولودية في نهاية الثمانينيات فقد أحصل على عشرة أضعاف هذا المبلغ اليوم. * هل عرض عليك في يوم ما تولّي منصب ما في اتحاد البليدة؟ ** منذ أن تركت اتحاد البليدة عام 1987 حين انتقلت إلى فريق مولودية العاصمة لم أتلقّ أيّ دعوة حتى لحضور مباريات الفريق فما بالكم أن يعرض عليّ الإشراف على تدريب الفئات الشبّانية للفريق. * ما السرّ في هذا التهميش؟ ** من الأحسن أن يطرح هذا السؤال على المعنيين بالأمر. * لو يعرض عليك زعيم مثلا العمل ضمن الطاقم الفنّي الحالي هل توافق؟ ** أنا على يقين من أنه لن يعرض عليّ ذلك. * ولماذا؟ ** اسأله سيجيب. * هل علاقتك ب (زعيم) جيّدة؟ ** هو رئيس فريق وأحترم قراراته. * هل تحضر مباريات اتحاد البليدة؟ ** تريد الحقيقة ما نقدرش نشاهد الفريق في الملعب، قلبي يوجعني. * ما هو آخر لقاء شاهدت فيه اتحاد البليدة من داخل الملعب؟ ** ربما منذ ستّ سنوات أو أكثر وهذا بملعب 5 جويلية، في اللّقاء الذي خسره الفريق أمام مولودية العاصمة بهدف دون ردّ. * هل تؤمن بالمقولة القائلة (اتحاد البليدة مدعية واللّي دعاها مات)؟ ** هذه المقولة كنت أسمعها قبل أن ألعب للفريق في منتصف الثمانينيات، لكن لو كانت هناك سياسة واضحة في الفريق مبنية من أجل جعل اتحاد البليدة ضمن مصاف الأندية الكبيرة لما بقي أثر لهذه المقولة، فأمر طبيعي أن يؤمن بها أنصار الفريق، وكلّ موسم اتحاد البليدة يلعب من أجل البقاء. لكن الذي يجب أن يعلمه البليديون هو أن هذه المقولة لا أساس لها من الصحّة، مجرّد كلام فقط وتخاريف. * هل تتذكّر أوّل لقاء لعبته لاتحاد البليدة؟ ** كان ذلك ضد جامعة الجزائر بملعب (براكني) وسجّلت هدفين فيما سجّل الأهداف الثلاثة محمود قتّال. * وآخر لقاء... ** ضد شباب قسنطينة عام 1987 وفزنا بالمباراة بهدف دون ردّ. * أجمل لقاء لعبته... ** ضد اتحاد الجزائر. * لقاء لا تنساه... ** اللّقاء الأوّل لي أمام جامعة الجزائر. * أحسن هدف وقّعته بألوان اتحاد البليدة... ** ضد سريع الحرّوش بملعب 8 ماي 45 في إطار الدور ربع النّهائي من كأس الجزائر. * لقاء لا تريد أن تتذكّره... ** نصف نهائي كأس الجزائر ضد وفاق القل بملعب سيدي بلعباس. * لقاء تمنّيت أن تلعبه... ** نهائي كأس الجزائر عام 1996 أمام مولودية وهران. * مدرّب له لأفضل عليك في اتحاد البليد... ** هناك العديد من المدرّبين لن أنسى فضلهم عليّ أذكر منهم الهادي بن تركي وناصر آكلي وعبد الحميد باشا ولعليلي وبين عيسى بواك. * وماذا عن رؤساء الفريق؟ ** عمّي الجيلالي ودويدن. * كلمة أخيرة... ** شكرا لكم على هذه الاستضافة، وألف شكر لكلّ من ساهم في إقامة مباراتي الاعتزالية وفي مقدّمتهم والي ولاية البليدة والمجلس البلدي للعفرون ومديرية الشبيبة والرياضة على مستوى ولاية البليدة والمقام لا يكفي لذكر جميع الأسماء. ******** هذا هو كمال جحمون "المدفع العابر للقارّات" ولد كمال جحمون في مدينة العفرون بولاية البليدة يوم 16 جوان من عام 1961، وهو اليوم الذي يصادف كلّ سنة فوز منتخبنا الوطني على المنتخب الألماني في مونديال الأندلس عام 1982. في عام 1972 أمضى جحمون أوّل إجازة رسمية له مع فريق مسقط رأسه نجم العفرون، كانت السنوات تمرّ بسرعة عليه في فريق نجم العفرون إلى أن وجد نفسه يلعب في أكابر الفريق وهو في سنّ السابعة عشر، وفي عام 1981 توّج بكأس الناحية العسكرية بفضل الهدف الذي وقّعه في شباك الناحية العسكرية الخامسة في لقاء لعب بملعب سيدي بلعباس في مباراة رفع الستار لنهائي الأكابر الذي جمع بين اتحاد العاصمة وجمعية وهران. لعب كمال جحمون لفريق اتحاد البليدة مدّة أربعة مواسم امتدّت من موسم 81/82 إلى موسم 84/85، لينتقل بعدها إلى المولودية، وبعد تألّقه في مولودية العاصمة استدعى إلى المنتخب الوطني وخلال تلك الفترة تلقّى أكثر من عرض احترافي من نوادي فرنسية فاختار أحسن العروض، عرض نادي ماتز، لكن ونظرا لانتهاء المدّة القانونية لاستقدام اللاّعبين الأجانب إلى النوادي الفرنسية المحترفة قرّر رئيس نادي ماتز فرانسوا ليان إعارة كمال جحمون لفريق ديجي المنتمي إلى الدرجة الثالثة الذي لعب له مدّة أربعة أشهر، وكان هدّافه الأوّل دون منازع، حيث سجّل في عشر مقابلات عشرة أهداف، الأمر الذي مكّنه من تزعّم ريادة ترتيب الهدّافين ليس في فريقه ديجي فحسب، بل في البطولة ككل. وفي الوقت الذي ذاع فيه صيت كمال جحمون وبات قريبا جدّا من اللّعب لفريق أكثر شهرة من نادي ماتز الذي أعاره لفريق ديجي إذ بوالدته رحمها اللّه تتعرّض لشلل نصف كلي أقعدها الفراش، ما اضطرّ كمال جحمون إلى الرّجوع إلى أرض الوطن ليمضي لفريق الشباب. ثلاث سنوات في شباب بلوزداد كانت كافية ليصنع فيها جحمون ما لم يصنعه في فريق مولودية العاصمة، حيث سجّل العديد من الأهداف خلال موسم 91/92 خلف هدّاف البطولة آنذاك عبد الحفيظ تاسفاوت ب 15 هدفا، وكرّر نفس الإنجاز في الموسم الموالي، لكن في الموسم الثالث وبعد أن أحسّ بأن أمور الشباب تغيّرت عكس ما كان يأمله حمل حقيبته متّجها إلى فريق أولمبي المدية، ليصنع فيها لمحات كروية لن تنسى من ذاكرة كأس الجزائر. وبعد ثلاثة مواسم في أولمبي المدية قاد من خلاله الفريق إلى أوّل وآخر مرّة إلى نهائي كأس الجزائر عام 1995 انتقل بعدها إلى فريق اتحاد حجوط ليقوده هو الآخر إلى القسم الوطني الأوّل، إنجاز غير مسبوق في تاريخ الفريق (الأخضر) لكن دوام الحال من المحال كما يقال، فقد قرّر جحمون ترك اتحاد حجوط والانتقال إلى عين الدفلى لاعبا ومدرّبا، ومنه بدأت مسيرة صاحب القنابل الصاروخية مع التدريب، حيث أشرف على العديد من الفرق نخص منها بالذكر شباب بوهارون وأولمبي المدية ونجم البروافية وفريق مسقط رأسه نجم العفرون.