يعيش عمال الإدارات وأعوان الاستقبال معاناة يومية، تصنعها سوء تصرفات بعض المواطنين، وبحكم مناصبهم الحساسة التي تعكس الصورة الأساسية للمؤسسة يضطر هؤلاء إلى تحمل مختلف سلوكياتهم العدائية، التي تصل إلى مواجهة الإساءة بالحسنى حتى لا يخسروا عملهم، والأكثر من ذلك فهم مطالبون بالمحافظة على برودة أعصابهم ولا يتعاملوا مع المواطن بحدة لأنهم يعتبرون وجه المؤسسة الذي تقابل به زبائنها. عتيقة مغوفل قمنا باستطلاع مع عدد من الموظفين الذين يحتكون مع المواطنين بشكل مباشر بسبب مناصب العمل التي يشغلوها في بعض المؤسسات المختلفة مثل البنوك، البلديات، مراكز البريد والمستشفيات، حيث مكننا الاستطلاع الذي قمنا به استنتاج مرارة ما يعانوه من سوء معاملة بعض المواطنين، إذ سردوا لنا بعض المواقف التي اعتبروها جارحة ومهينة لكرامتهم، فقد أجمع الكثير منهم أن مهنة عون الاستقبال أو غيرها من الوظائف التي لها احتكاك دائم مع الناس، تتطلب أشخاصا يتمتعون بصدر رحب وصبر طويل للتعامل مع عقليات وطبائع مختلفة. إهانات وشتائم في التعاملات اليومية البداية كانت مع (رشيدة) موظفة ببلدية باب الوادي لمدة تزيد عن الخمس سنوات، وذلك على مستوى شبابيك الحالة المدنية، بحكم منصبها تجد نفسها في احتكاك مباشر مع الناس، وهو الأمر الذي جعلها تعاني في كثير من الأحيان، فهي تجد صعوبة دوما في إيصال المعلومة إلى الشيوخ والعجائز الطاعنين في السن، الذين يكون فهمهم محدودا أو سمعهم ثقيلا، فهي تضطر في كل مرة إلى الصراخ حتى تصاب بالبحة، كي تتمكن من التكلم مع هؤلاء، وهناك منهم من يحب أن يحكم رأيه خصوصا إذا تعلق الأمر بكتابة الاسم باللغة الفرنسية أسفل شهادة الميلاد. أما (نادية) موظفة بإحدى البنوك بشارع العربي بن مهيدي، وبحكم موقعها واتصالها المباشر مع مواطنين كثيرين ما جعلها تتعرض لمواقف حرجة بسبب بعض الأشخاص الذي وصفتهم بغير المهذبين، وتقول (إن ضغط العمل يزداد حدة بدءا من منتصف كل شهر حينما تدفع رواتب العمال، فمنهم من لا يتقن ملء الصك وإذا طلبت منه الاستعانة بأحدهم بحكم الطوابير الطويلة المنتظرة يبدأ في الصراخ ويطلب مني كتابته عنوة، وهو غير قانوني فاضطر إلى الاستعانة بعون أمن المؤسسة للتهدئة من روع المواطن إلى أن الكل في عجلة من أمره ولا يدركون أن التعامل بالأوراق النقدية يحتاج إلى الدقة في العمل. "هدوئي تحوّل إلى عصبية مفرطة" من جهته اعتبر (مرزاق) موظف بصندوق الضمان الاجتماعي للعمال الأجراء بفرع القبة، أن طبيعة المواطن الجزائري المعروف بالنرفزة، تجعل من ظاهرة سب وشتم موظفي الإدارات تستفحل أكثر فأكثر، فالعديد من المواطنين لا يتقنون الاتصال المبني أساسا على فهم معنى الحوار، فهذه النقطة تغيب تماما في التعاملات اليومية للأفراد لذلك يصعب علينا أحيانا شرح طريقة ملء استمارة أو وثيقة رسمية، لذلك فإن حالات العصبية والصراخ والشتائم تكاد لا تغيب عن التعاملات اليومية مع مثل هؤلاء الأشخاص، كما أضاف (مرزاق) أيضا أنه أمضى 14 سنة في وظيفته هذه، وهي مدة زمنية كانت كفيلة بأن تتغير طباعه وسلوكه مع الآخرين، إذ تحوّل من شخص هادئ إلى شخص عصبي وكثير القلق لدرجة أنه يمضي ساعة كاملة كل مساء منعزلا، ولا تجرأ زوجته حتى على مخاطبته إلى أن يزول كل الضغط الذي أحدثه الدوام الوظيفي عليه. عون أمن يتعرض للتهديد بالقتل بمركز بريد أما أعوان الأمن فلهم نصيب كبير من الإهانات والشتائم التي يتلقوها يوميا من المواطنين الثائرين غضبا، الذين تصل بهم الأمور أحيانا إلى التهديد بالتصفية الجسدية، من بين هؤلاء أعوان الأمن الذين قابلناهم السيد(ح.إبراهيم)البالغ من العمر 53 سنة قضى 33 سنة كعون أمن بمركز بريد باب الوادي، والذي تعرض إلى تهديد بالقتل من طرف شاب عشريني، والسبب أنه في حدود الخامسة مساء ومع نهاية دوام العمل غلق باب مركز البريد، وتأهب جميع العمال للمغادرة، فجاء ذاك الشاب الثائر من أجل استخراج دفتر الشيكات، ولكن السيد (إبراهيم) أخبره أن وقت العمل قد انتهى لينهال عليه الشاب بالشتائم والسب ثم هدده بالقتل بسلاح أبيض كان يحمله، ولولا تدخل بعض كبار الحي لتهدئة الشاب الثائر لحصلت الطامة الكبرى، وأضاف السيد (إبراهيم) قائلا إن مثل هذه الحوادث تتكرر خصوصا أيام قبض الرواتب. عون أمن آخر قابلناه بمدخل المستشفى الجامعي لمين الدباغين بباب الوادي، والذي روى لنا كيف تعرض زهير زميله في العمل إلى ضرب بالسيف على مستوى الظهر من طرف شاب أحضره أصدقاؤه على جناح السرعة إلى قسم الاستعجالات الطبية، بعد أن تشاجر مع آخر بالحي بوفريزي ببلدية وادي قريش بأعالي بلدية باب الوادي، من أجل شاحن هاتف نقال فضربه بسكين للكتف، عون الأمن زهير لم يترك جميع أصدقاء المصاب الدخول إلى القسم حتى لا يزعجوا المرضى الآخرين، وهو الأمر الذي لم يعجبهم مما دفع بأحدهم إلى التربص بزهير أثناء خروجه من المستشفى بعد أن انتهى دوامه وضربوه بالسيف إلى الظهر، ولكن الحمد الله لم تكن الإصابة عميقة ولولا ذلك لكان زهير اليوم في عداد الأموات، ولكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فقد تقدم بشكوى ضد المعتدي عليه لدى مصالح الأمن، الذين لم يقبلوها بحجة أنه لا حق له في تقديمها لأنه عون أمن ولا ينطبق عليه قانون إهانة موظف أثناء تأدية مهامه، فطبيعة عمله تنطبق عليها هذه المخاطر، سألنا زهير هل تلقى أي تكوين من أجل التعامل مع هذه الحالات؟ إلا أنه أجاب أنه لم يتلق أي تكوين رغم وعود بعض المسئولين بتكوينهم. شيخ يضرب محضرة قضائية بعصاه على ما يبدو أن ظاهرة الضرب لم تعد تقتصر على أعوان الأمن فقط، بل تعدت لأشخاص آخرين، وهو حال المحضرة القضائية (ي. عقيلة)، التي تعرضت للضرب من طرف شيخ استعمل عصاه كأداة للاعتداء، والسبب أن المحضرة قدمت له تبليغا جاء في مضمونه أن أبناء أخيه يريدون مقاضاته بسبب الحصول على نصيبهم من ميراث والدهم، وهو الأمر الذي أثار غضب الشيخ ومن ثمة ضرب المحضرة القضائية لأنها وبالنسبة إليه محامية دفاع عنهم، فهو لا يعلم أن وظيفتها تقتصر على تبليغ الأحكام وفقط. المادة 144 من قانون العقوبات تحمي الموظف ولمعرفة الأطر القانونية المسطرة لحماية الموظف أثناء تأدية مهامه ربطنا اتصالا هاتفيا بالأستاذة المحامية (صارة هلالي)، التي أكدت لنا أن المشرع الجزائري وضع مادة قانونية تحمي الموظف من أي شكل من أشكال العنف التي يمكن أن يتعرض لها أثناء تأدية مهامه، وذلك من خلال المادة 144من قانون العقوبات التي تنص على (يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة مالية من 1000دج إلى 500.000دج كل أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل من أهان قاضيا أو موظفا أو ضابطا عموميا أو قائدا أو أحد رجال القوة العمومية بالقول أو الإشارة أو التهديد أو بإرسال أو تسليم أي شيء إليهم أو بالكتابة أو الرسم غير العلنيين أثناء تأدية وظائفهم أو بمناسبة تأديتها وذلك بقصد المساس بشرفهم أو باعتبارهم أو بالاحترام الواجب لسلطتهم. وتكون العقوبة الحبس من سنة إلى سنتين إذا كانت الإهانة موجهة إلى قاض أو عضو محلف أو أكثر قد وقعت في جلسة محكمة أو مجلس قضائي. ويجوز للقضاء في جميع الحالات أن يأمر بنشر الحكم ويعلق بالشروط التي حددت فيه على نفقة المحكوم عليه دون أن تتجاوز هذه المصاريف الحد الأقصى للغرامة المبنية أعلاه