انطلق أمس رسميا موسم السياحة الصحراوية في الجزائر، على وقع "توجسات" كبيرة من قبل السلطات المحلية والوكالات السياحية الناشطة والتي تخشى من أن تساهم العوامل الأمنية والصحية والخدماتية "الغير مستقرة" في صب الملح على جرح القطاع السياحي في جنوبنا الكبير والذي يزداد عمقا عاما بعد عام. تسعى وزارة السياحة منذ سنة 2005، إلى تطبيق برنامج تنموي يأخذ بالسياحة الصحراوية كمورد أساسي للاقتصاد الوطني، ولاسيما التنمية المحلية لمنطقة الجنوب التي تزخر بثروة سياحية هائلة، إلا أن عراقيل على رأسها بيروقراطية التسيير ومشاكل العقار، إضافة إلى مخاطر النشاط الإرهابي الذي يستهدف اختطاف السياح بالصحراء، عرقل تطوير النشاط السياحي الصحراوي والاستفادة من عائداته. فضلا عن مخاوف مرتبطة بالصحة العمومية وانتشار فيروسات فتاكة كالإيبولا والملاريا التي ينقلها الحراقة الأفارقة المرتكزون بمراكز العبور الجنوبية. حدود جنوبية مشتعلة وتهديدات داعشية مفتعلة تأتي المشاكل الأمنية على الحدود الليبية والمالية على رأس المعيقات الكبرى التي تهدد بإفشال موسم السياحة الصحراوية هذه السنة، هذا دون إغفال أزمة غرداية التي وصل صداها إلى الرأي العام الدولي، حيث أن بعض الدول على غرار الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا حذرت رعاياها من التنقل إلى المناطق القريبة من شمال مالي وغرب ليبيا أي الصحراء الجزائرية. وجاءت قضية إعدام السائح الفرنسي "بيير اورفي غوردال" على يد تنظيم "جند الخلافة" الإرهابي المبايع لداعش، والتي أخذت صدى عالميا مؤخرا، لتعقد اكثر من مشاكل القطاع وتضع الموسم السياحي الحالي على كف عفريت. ولعل ما يزيد من قلق الفاعلين في المجال السياحي من مساهمة الاضطرابات الأمنية على الحدود في عزوف السياح الأجانب عن القدوم إلى صحراء الجزائر، هو التجارب السابقة وخصوصا أزمة تيقنتورين والتي كان لها بالغ الأثر في إفشال الموسم السياحي الماضي، حيث تم بعد الحادثة مباشرة إلغاء عديد الرحلات والحجوزات المبرمجة لشهري فيفري ومارس باعتراف وزير السياحة آنذاك "محمد أمين حاج سعيد". من جانب آخر كثّفت السلطات الجزائرية من احتياطاتها الأمنية بالموازاة مع انطلاق الموسم السياحي في الجنوب، حيث أفادت تقارير إعلامية أن الوكالات السيّاحية تلقت تعليمات صارمة بضرورة تجنب المناطق الصحراوية القريبة من الحدود اللّيبية المشتعلة، وكذا الحدود المالية،. ويتعلق الأمر بالنسبة إلى مناطق ممنوعة في تمنراست من جهة ليبيا، وكذا بجانت من جهة ليبيا، وأشارت إلى أن ولاية غرداية لم تعلّق من برنامج الموسم السياحي لهذه السنة، وستبقى أبواب مدينة ميزاب مفتوحة أمام السيّاح من داخل الجزائر والأجانب على السواء، مضيفة أن الإجراءات الأمنية المتّخذة لتأمين السيّاح ليست إلا احتياطات أمنية بسبب ما وصفته ب"المخاوف" فحسب. مؤكّدة أنّ وزارة السيّاحة وبفضل التّنسيق المحكم والمخطّط مع وزارات النقل والداخلية والدّفاع تستبعد أن يكون هناك أي طارئ رغم ما يعرفه الحزام الحدود الجنوبي الشرقي والجنوبي مع كلّ من ليبيا ومالي من توتّر أمني. إيبولا خطر محدق بسبب المعتقدات الخاطئة تتوقع منظمة السياحة الدولية التابعة لهيئة الأممالمتحدة تراجع عدد السياح الأجانب إلى الجزائر خلال الموسم السياحي الصحراوي المقبل بسبب تخوفات من انتشار فيروس (إيبولا) بالرغم من أن الحكومة اتخذت كافة الإجراءات لحماية حدودها من دخول العدوى. وكشفت آخر إحصاءات مقياس السياحة العالمي الصادر عن منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، الذي نشر مؤخرا عن ارتفاع عدد السياح الأجانب إلى منطقة شمال إفريقيا بنسبة 4 بالمائة خلال سنة 2014، فيما حذر التقرير من إمكانية أن يؤثر انتشار مرض فيروس _إيبولا_ بشكلٍ سلبي على حركة السياحة إلى الإقليم خاصة خلال الموسم المقبل من السياحة الصحراوية بسبب المعتقدات الخاطئة بشأن إنتقال الفيروس -حسب ذات التقرير-. هذا وتصنف منظمة الصحة العالمية الجزائر ضمن الدول المهددة بانتشار حمى "إيبولا" بعد ارتفاع نسبة الإصابة بها في عدد من الدول الإفريقية على غرار غينيا والزائير ونيجيريا ومالي والسودان وتسبب لحد الساعة في أزيد من 100 وفاة بإفريقيا خلال شهر فقط. وانتقدت منظمة الصحة العالمية، إجراءات الوقاية الضعيفة لمواجهة هذه الحمى في إفريقيا، خاصة وأنها تتميز بانتشار سريع ما يجعلها من أكثر الفيروسات خطورة على الإطلاق، وعلى اعتبار ءأن الجزائر بوابة لهجرة الكثير من الشعوب الإفريقية، فان هذا يجعلها مهددة بانتشار الفيروس، خاصة وأن البلدان التي عرفت انتشارا لهذه الحمى تعتبر من البلدان المجاورة للجزائر، ما يستدعي حسب العديد من المختصين والخبراء وضع خطة استعجالية لمواجهة حمى "إيبولا" التي تعرف انتشارا متزايدا ومخيفا في العديد من البلدان الإفريقية. الوكالات السياحية في الصحراء تحتضر تسجل مديريات السياحة بولايات الجنوب الجزائر تراجعا كبيرا في عدد السياح مقارنة بالسنوات الماضية، ما أثر بالسلب على نشاط الوكالات السياحية التي تنشط منها اكثر من 100 وكالة كلها مهددة بالغلق. وباعتراف السلطات المحلية فإن الإقبال على السياحة الصحراوية في تراجع مستمر، حيث وإذا أخذنا على سبيل الذكر لا الحصر عاصمة الأهقار مدينة تمنراست فلم يتعد عدد السياح الوافدين إليها 900 سائح خلال الموسم المنصرم، مقابل 1807 سائح زاروا المنطقة خلال العام الذي سبقه. تراجع عدد السياح، جعل وكالات السياحة والسفر الناشطة بالمنطقة والمقدر عددها بنحو 100 وكالة تستنجد بالسلطات الوصية لأجل إنقاذها من وضعيتها المنكوبة. على الجهة المقابلة تردد المصالح السياحية العمومية من وزارة ودواوين الكلام نفسه منذ عدة سنوات مقابل نشاط سياحي يراوح مكانه اضطر أصحابه إلى تغيير المهنة أو التوقف نهائيا عن العمل في مجال السياحة، حيث تحدثت نقابة الوكالات السياحية الخاصة مؤخرا عن 60 وكالة سياحية أغلقت أبوابها في تمنراست وحدها ناهيك عن أزيد من 30 وكالة عن النشاط بنواحي جانت وإليزي، رغم أن المنطقة تحوز على إمكانيات جذب سياحي هامة باعتبارها واحدة من أهم المقاصد السياحية في الجزائر. ويتأسف العديد من أصحاب الوكالات السياحية لكون ولاية شاسعة كتمنراست، أهم متحف طبيعي في الهواء الطلق، وبها معالم سياحية هامة (ضريح تينهنان وتهات آتاكور، ووادي انديد، وآسيكريم وغيرها كثير) توجد بها فنادق تعد على أصابع اليد الواحدة، ما جعل هؤلاء النشطاء يستعينون بسيارات تخييم لتدارك النقص في المرافق السياحية والخدمات. برنامج سياحي ثري شكلا وعاجز مضمونا سطرت مؤسسة الديوان الوطني الجزائري للسياحة (أونات) "برنامجا ثريا" يتضمن عدة مقاصد سياحية بمنطقة الجنوب وذلك تزامنا مع انطلاق موسم السياحة الصحراوية، وتشمل هذه المقاصد السياحية الصحرواية التي يميل إليها السياح لاسيما الأجانب منهم نظرا لتمتعها بمناظر طبيعية خلابة وبثراء ثقافي وتاريخي وأثري وحضاري عريق مناطق جانيت تمنراست وتيميمون والساورة. ونظرا للمكانة التي تحتلها السياحة الصحراوية التي أضحت مطلب الكثير من السياح لاسيما الأجانب منهم سطرت الدولة عدة مشاريع لإنجاز مرافق للإيواء لتدارك النقائص المسجلة بالمنطقة في هذا المجال، حيث سيتم قريبا إنجاز مشروع قرية سياحية تتشكل من 100 إقامة للإيواء وفق معايير البناء المعمول بها بالمنطقة. وسيتم دعم هذه الإقامات بمرافق للترفيه والتنزه والرياضة وقاعات للمحاضرات لتوفير الراحة للزبائن. ولكن، رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة الجزائرية لترقية وتطوير السياحة الصحراوية، إلا أن الواقع الميداني يؤكد وجود عجز فادح في مرافق الإيواء والتسلية بجنوبنا الكبير وهو ما يعطّل عجلة تنمية هذا القطاع الحيوي عن الدوران إلى حين.