جمعية المستهلك: الاجتهاد مثبت علميا ودينيا وأطراف دنّست الحقائق لزرع البلبلة أصدر الشيخ محمد علي فركوس، المعروف بشيخ التيّار السلفي في الجزائر، فتوى دينية مثيرة للجدل حول حكم تناول مادة (الكاشير) المعروف عنها كثرة استهلاكها من طرف الجزائريين، هذه الفتوى سرعان ما فجّرت مواقع التواصل الاجتماعي وفتحت نقاشا واسعا بين النشطاء، اختلفت فيه آراءهم بين مستغرب، مستنكر ومدافع عن اجتهاد الشيخ فركوس. أفتى الشيخ فركوس بعدم جواز أكل مادة (الكاشير) بسبب ما قاله إنها تحتوي على مادة ملوّنة حمراء مصنوعة من مسحوق الخنافس. وقال الشيخ فركوس في فتواه المنشورة على موقعه الالكتروني الرسمي: (فالملوّن الغذائي الأحمر المستخرج من هذه الخنافس الذي يرمز إليه ب E120 لا يجوز استخدامه كأحد المركّبات الصناعية الغذائية ولا يجوز استهلاكه، خاصّة مع طغيان لونه، لأن هذه الخنافس معدودة من الحشرات المستخبثة طبعا عند جمهور أهل العلم). هذه الفتوى شكّلت موضوع الساعة في شبكات التواصل الاجتماعي التي سرعان ما تحوّلت إلى حلبة صراع إيديولوجي، حيث تهجّم بعض النشطاء على شيخ التيّار السلفي في الجزائر بدعوى أن الوقت غير مناسب لمثل هذه الفتاوى في ظرف عصيب تمرّ به الأمّة الإسلامية والجزائر، حيث قال أحد الفايسبوكيين مستنكرا: (نحن لا نتكلّم عن طبيعة الفتوى، بل عن ظروفها، ففي الوقت الذي ينهب فيه وطن نتكلّم عن ملوّن غذائي؟)، آمّا آخر فعلّق: (في وقت يموت فيه النّاس بكثرة حوادث المرور والمخدّرات و... الخ، وفي وقت يعاني فيه أقصانا من الأسر والمسلمون يبادون في العالم لم يبق للحديث في اجتهادنا الفقهي إلاّ عن الكاشير!). أمّا نشطاء آخرون فغلب الطابع التهكّمي والساخر على تعليقاتهم مثل قول أحدهم: (حتى الكاشير حرم على الزوالي، فماذا نأكل إذن؟). جمعية حماية المستهلك تدافع عن الفتوى لهذه الأسباب دافعت جمعية حماية المستهلك عن فتوى الشيخ فركوس فيما يخص الملوّن الغذائي الأحمر (E120)، فيما فتحت النّار على الأطراف التي أوّلت فتواه وتهجّمت على الشيخ دون حجّة علمية ودينية، حيث نسبوا له كلاما مفاده أن الشيخ (حرّم أكل الكاشير نهائيا ومطلقا) في محاولة منهم لتلبيس وتدنيس الحقائق من غير علم ولا تحري فقط من أجل زرع البلبلة والتنقيص من قيمة الشيخ والطعن فيه دون سبب. وأوضح الناطق الرسمي لجمعية حماية المستهلك سمير القصوري في تصريح ل (أخبار اليوم) أن الفتوى تعود إلى شهر ماي من سنة 2012، فهي ليست بجديدة، على كلّ حال ملخّص ما جاء في الفتوى هو أن أحد مركّبات الملوّن الغذائي الأحمر هو (E120)، وهذا المركّب مستخرج من حشرة الخنفساء التي يتمّ حرقها ووضعها في هذا الملوّن، ففصل الشيخ فركوس في المسألة وقال إن هذه الخنافس معدودة من الحشرات المستخبثة عند جمهور أهل العلم فلا يجوز استهلاكها لأن الخنفساء لا تقبل التذكية، إذ لا دم لها سائل، وكلُّ ما لا يُقتدر فيه على ذكاته فحكمه التحريم لأنه مَيْتة، ومن جهة أخرى تسبّب أضرارا جسمانية متفاوتة الخطورة من الحساسية للأطفال والربو وأمراض مسرطنة وغيرها من الأعراض والأمراض، واستدلّ بأدلّة من أحاديث وآيات قرآنية وبين أقوال أهل العلم. ومن هنا أردف محدّثنا أن الشيخ فركوس بحث جيّدا في الموضوع علميا وطبّيا ودينيا وأقام فتواه حول ذلك وخلاصتها أن أكل (الكاشير) ليس محرّما في حدّ ذاته، بل إذا استعمل فيه هذا الملوّن الغذائي، بل وكلّ أكل استعمل فيه هذا الملوّن الغذائي الذي يحتوي على الخنفساء فهو محرّم، لذا من الأفضل عند شراء الملوّن الغذائي الأحمر -حسب القصوري- قراءة مكوّناته بدقّة فإن احتوت على المركّب (E120) يجب تركه وإن لم يحتوي عليه فيجوز شراؤه، (هذا ملخّص ما جاء في الفتوى وما يجب استنتاجه منها)، على حدّ تعبير محدّثنا الذي فتح النّار على مدنّسي الحقائق بغير علم بغرض الإنقاص من قيمة العلماء. أخبار اليوم تنشر الفتوى كاملة من المصدر السؤال: بعد حظر المواد الملوّنة التي تدخل في صناعة (الكاشير) وغيرها من الصناعات الغذائية لِما فيها من أضرارٍ صحّية استبدلت بمادة هي عبارة عن خنافسَ يتمّ حرقها واستعمالها يعوّض تماما دور المادة الملوّنة، فهل ثَمّة حرج في اعتماد هذه الطريقة في تصنيع (الكاشير) وغيره؟ وجزاكم اللّه خيرا. الجواب: الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله اللّه رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد: فالملوّن الغذائي الأحمر المستخرج من هذه الخنافس الذي يُرمز إليه ب (E120) لا يجوز استخدامه كأحد المركّبات الصناعية الغذائية ولا يجوز استهلاكه، خاصّة مع طغيان لونه، لأن هذه الخنافس معدودة من الحشرات المستخبثة طبعا عند جمهور أهل العلم (1)، حيث تندرج تحت عموم قوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، فقد أكرم اللّه المؤمنين بالطيِّبات في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]، وخاطبهم بما خاطب به الرسل عليهم الصلاة السلام، حيث قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [المؤمنون: 51]. وخالف مالك -رحمه اللّه- في المسألة ورأى جواز أكل الخنفساء وغيرها من الحشرات والتداوي بها قياسا على جواز أكل الجراد المنصوص على جوازه في قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ: فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ) (2). وينقل الباجي -رحمه اللّه- هذا الحكمَ بقوله: (قال ابن حبيبٍ: كان مالكٌ وغيره يقول: من احتاج إلى أكل شيءٍ من الخشاش لدواءٍ أو غيره فلا بأس به إذا ذُكِّيَ كما يُذَكَّى الجراد كالخنفساء والعقرب وبنات وردان والعُقْرُبان والجندب والزنبور واليعسوب والذَّرِّ والنمل والسوس والحِلْم والدود والبعوض والذباب وما أشبه ذلك) (3). والذي يترجَّح -عندي- من القولين السابقين هو مذهب الجمهور لقوّته، ذلك لأن الخنفساء لا تقبل التذكية إذ لا دم لها سائل، وكلّ ما لا يُقتدر فيه على ذكاته فحكمه التحريم لأنه مَيْتة، وقد جاء التنصيص القرآني -جليا- يحرّم الميتةَ ويأمر بتذكية ما يجوز تذكيتُه ويقبلها، قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3]. ولا يخفى أن قياس الخنفساء وغيرها من الحشرات على الجراد غير متّجه لأنه قياس على ما خالف القياس، وما كان خارجا عن عموم تحريم الميتة بالنصِّ فلا يُعتبر إلحاقُه به لأنه مستثنى ورد على خلاف القياس عملا بقاعدة: (مَا ثَبَتَ عَلَى خِلاَفِ القِيَاسِ فَغَيْرُهُ عَلَيْهِ لاَ يُقَاسُ). علما بأن مالكا -رحمه اللّه- وغيره أباحوه بشرط تذكيته، فيسمِّي اللّه عند وخزه بالشوك وغرزه بالإبر ونحو ذلك ويُلحقونه بالجراد في الحكم (4)، ويغيب هذا الشرط في المادَّة ذات اللوّن القِرمِزي (5)، إذ يتمّ حرقها أو سحقُ جسدها وأعضائها جميعًا لاستخراج هذه المادَّة الحمراء. فالحاصل أن الملوّن الغذائي الأحمر المستخرج من هذه الخنافس بغض النظر عن خبثها وعدم قَبولها للتذكية فإنها -من جهةٍ أخرى- تسبّب أضرارا جسمانية متفاوتة الخطورة من الحساسية للأطفال والربو وأمراض مسرطنة وغيرها من الأعراض والأمراض، لذلك تمنع عملا بقوله صلّى اللّه عليه وسلمّ: (لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ) (6). والعلم عند اللّه تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربِّ العالمين، وصلّى اللّه على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.