بقلم: رياض بن وادن على بعد 25 كلم من مسرح كوباكابانا والذي يتواجد في أشهر الشواطئ في العالم يقع حي سكني يسمى فيلاكروزيرو يعيش فيه ما يقارب الستون ألف نسمة.. حي شعبي تكوّن نتيجة هجرة العائلات والأفراد من المناطق النائية من أجل البحث عن العمل والخروج من فاقة الفقر.. فأصبح هذا الحي لوحده مدينة في داخل المدينة الكبيرة ريودجانيرو في البرازيل.. هذا التجمع السكني عبارة عن كتلة من البناءات الفوضوية غير المتجانسة وكل يوم تسجل فيه حالات عديدة من المواجهات الدامية بالأسلحة بين الشرطة وعصابات المخدرات.. مكان استفحلت فيه الجريمة والسرقات والانحلال الخلقي والضياع التام للأطفال. وفي زيارة قبل عشر سنوات لمخرجين من هولندا من أجل تصوير فيلم وثائقي وتأثرهما بالحالة المزرية التي يعيش فيها سكان هذا الحي، وكذا لبشاعة منظره وعدم تجانس بناياته الفوضوية فقد قررا تقديم ولو خدمة بسيطة لسكان هذا الحي وكانت الفكرة هي تلوين كل البنايات ورسم على كل جدرانه فسيفساء من الألوان الجميلة التي تسر الناظرين. وبعد عمل وجهد كبيرين أصبح المجمع السكني ذي منظر رائع وكأنه مجموعة من قصور ألف ليلة وليلة.. يبعث السرور والبهجة والفرحة في قلوب ساكنيه وفي نفوس الزائرين ومنظر جميل للمتأملين. و في الجزائر نشاهد بنايات جميلة ومتناسقة وشامخة.. لكن وللأسف الشديد في معظمها تنقصها تلك اللمسة الأخيرة سواء في إنهاء ما تبقى من بناء أو في تلوينها وصبغتها.. بل وللأسف الشديد فقد ترسخت عادة سلبية لدى الكثير من ملاك هذه البنايات وهي أنه عندما ينتهون من بناء سكناتهم فإنهم عوض صبغتها وتجميلها فإنهم يلجأون لتعليق إطارات عجلات السيارات حتى تساعدهم على طرد العين وصدّ حسد الحاسدين وإبعاد وسوسة الشياطين!. إن صبغة السكنات بألوان زاهية مثل الأخضر الفاتح والأزرق والأبيض ومزيج من الألوان الفاتحة الجميلة تعطي منظرا رائعا وتدخل الهدوء والطمأنينة لسكان الحي.. وتنمي في نفوس الأطفال حب الجمال والتوق إلى عشق النظافة وتدخل في نفوسهم السرور والبهجة وتجعلهم في وصال دائم مع الفنون الجميلة، فتزيد في تمسكهم وطلبهم للذوق الرفيع في كل شيء. لابد من الاعتناء برياض الأطفال وبالمدارس أكثر فأكثر وجعلها دائما في منتهى الجمال والزينة حتى تساعدهم في تحصيلهم المدرسي وحتى تتعود عيونهم على رؤية المناظر الجميلة فتكون إضافة رائعة وأكثر قيمة في تربية سوية ومتكاملة.. وهذا القرآن الكريم يشير إلى قيمة التمايز باللون في تلك البقرة التي طلب من بني إسرائيل ذبحها إلى لونها التي كانت تتميز به عن بقية البقرات حين قال: إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين. وجميل أن نثمن تلك المبادرة التي قام بها شبابنا من كل نواحي الوطن التي تتمثل في طلاء السلالم والجدران في أحيائهم.. وهي مبادرة رائعة وحضارية تتطلب الدعم الكامل من مختلف الجهات الرسمية لتوسيعها في كل الأحياء، بما في ذلك الأحياء الشعبية أو حتى الأحياء التي ينتظر ساكنوها الترحيل في القريب العاجل لسكنات أخرى.. لأن فائدة هذا العمل الجميل تعود على الجميع وخاصة الأطفال وهي إضافة تربوية لهم تبعدهم عن العنف والكراهية وعن كل المناظر المشينة. لابد أن تترسخ هذه العادة وتعم كل ولايات الوطن وأن نسعى لتوعية كل من انتهى من بناء مسكنه على صبغته وطلائه وكم يكون هذا العمل رائعا لو يقوم عليه مختصون وعارفون بفنون الألوان وفنون رسم الفسيفساء. إن اعتناء الإنسان بمظهره الجميل فقط غير كاف.. فلابد لهذا الجمال أن يتعدى للمكان أيضا.. فتكون بذلك شوارعنا نظيفة وأماكن جلوسنا وراحتنا حسنة.. وبالمنظر الجميل وحسن صناعة الألوان والإبداع فيها يمكننا أن نساهم ولو بنسبة قليلة في تهدئة نفوس شبابنا ونبعدهم بذلك عن شرّ المخدرات والمهلوسات.. فالشاب الذي يرى نفسه جميلا ويتعود على الجلوس في أماكن جميلة ويكبر على ثقافة الجمال وحسن المنظر ويساهم في تلك العلاقة المتكاملة بينه وبين الكون فإنه حتما سيساعده ذلك على مواصلة حياته على هذا النمط.. بذلك سيتقي شرّ ما بهذه الحياة من انحرافات.. وبصناعة الفرد الحسن والسوي سنخلق مجتمعا حسنا وسويا مساهما في بناء حضارة الله وحضارة الإنسان.