يعانون الأمرين بعد عجزهم أبناء يتخلون عن دورهم في رعاية أبويهم حياة الإنسان تبدأ بطفولة بريئة لتنتهي بمرحلة الشيخوخة، عندما نتحدث عن الشيخوخة فإننا نتحدث عن مرحلة من العمر يصعب تحديدها بالأرقام هذه المرحلة يكون المرء قد جمع فيها الكثير من الخبرات والتجارب في حياته، لكن بين الماضي والحاضر تتغير معاني الحياة وتتغير مظاهرها، فمن بلغه الكبر يصبح عاجزا عن الحركة فتسقطه الأمراض طريح الفراش، لتصير كلماته معدودة ويحتبس صوته داخل أنفاسه فيبدأ بتذكر ماضيه، ماض ختمته الحياة بطابع البؤس والحرمان وأدخله إهمال الأبناء لآبائهم نفقا مظلما ومسدودا، الأمر الذي يؤكد أن هؤلاء المسنين لم يجدوا عائلا يكفيهم شر وحدتهم وضعف قدرتهم على مواجهة مصاعب الحياة اليومية. حسيبة موزاوي إهمال الوالدين ظاهرة أصبحت منتشرة في المجتمع الجزائري، لأن التغيرات الاجتماعية أخلت بطبيعة العلاقة التي تربط بين الأبناء وآبائهم، فعندما نقارن بين الماضي والحاضر نجد أن هناك تفاوتا بين الأجيال لكن السؤال المهم كيف يجرؤ بعض الأبناء على تجاهل من رباهم وكيف يجرؤون على رمي آبائهم وأمهاتهم في أماكن لا تليق بهم إما في دور العجزة دون علمهم أو في أماكن أخرى للتخلص منهم؟ لكن الخوف أن يصبح الأبناء الذين يمارسون كل أنواع الإجحاف في حق والديهم يمثلون نماذج لأبنائهم، وبالتالي الظاهرة تصبح ليس فقط ظاهرة تغيرات اجتماعية وإنما تصبح نموذجا يشاهدونه وبالتالي يصبح الأمر سمة بارزة في هذا المجتمع فهل سنصل إلى هذه الدرجة؟ ضحت بحياتها من أجلهم ولم تنل شيئا خالتي كريمة تجاوزت السبعين من العمر هي واحدة من اللواتي تخلى عنها أبناؤها بعدما كبرتهم على حساب حياتها وصحتها حيث توفي زوجها وهي تبلغ من العمر 30 سنة، رفضت الزواج رغم الطلبات العديدة التي تلقتها لكن في كل مرة كانت ترفض متحججة بأبنائها قائلة (لا أريد أن يتلقى أبنائي معاملة سيئة من زوجي) لذا أرفض الفكرة، هي الآن لا تتمكن من السير ولا أحد يعتني بها سوى بعض المحسنين، قالت بمرارة وبدموع غزيرة (لقد جرحت كثيرا وبكيت حتى جفت أعيني من معاملة أبنائي التي لا يتحملها بشر لدي ثلاث بنات لكن أزواجهن رفضوا إقامتي معهن أصبحت عبئا عليهم بعدما عاملوني بقسوة بالرغم من بذلي لكل شيء في سبيلهن وأفنيت عمري وشبابي في تربيتهن ورعايتهن بعد وفاة والدهن حتى وصلن إلى مراحل دراسية متقدمة فمنهن الطبيبة والموظفة وأخرى تقيم بالخارج وفي النهاية تخلين عني وكأنني شيء عديم الجدوى أو عديم الفائدة ولم تلتفت أي منهن لتوسلاتي ودموعي، كنت أتصور وحتى هذه اللحظة أن قلوب بناتي سترق ويأتين بحثا عني، لكن دون جدوى، وعن مكان إقامتها أجابت وصوتها يتقطع ألما أنا في إحدى البيوت القصديرية بعين المالحة بعين النعجة بنوه لي أهل الخير الذين يتصدقون لي ببعض الطعام والشراب طوال أيام السنة فقد عوضني خالقي بجيران طيبين فإن الله تعالى لا يترك أحدا هذا ما حدثتنا به المرأة التي فقدت طعم الحياة حزنا من قسوة بناتها. الأسر فقدت دورها في رعاية المسنين ومن هذا المنطلق أشارت (ف. زهرة)، أخصائية في علم النفس الاجتماعي، إلى أن الثقافة الجزائرية كانت تخصص للشخص المسن مكانة رفيعة داخل الأسرة، حيث كان على رأس كل أسرة مسن يتخذ القرارات الحاسمة، ونظرا للتغيرات التي طرأت على التشكيلة الاجتماعية في المجتمع الجزائري، فقد اختفى ذلك النوع من الأسر التي كان الإنسان الكبير يلعب فيها الدور الأساسي، وظهرت نماذج جديدة من الأسر، تعيش أنماطا جديدة من الحياة، تراجعت فيها مكانة الانسان المسن لعدة عوامل متداخل، وبذلك أصبح وضع هؤلاء هامشيا داخل الأسرة، حيث أصبحوا يعانون الكثير من الاضطرابات والأمراض التي يحملها تقدم السن، ويجب التأكيد في هذا الصدد على أن المسؤولية الأساسية في رعاية المسن مازالت تقع على كاهل الأسرة، لأن اختصار حياة المسن داخل دار العجزة، يعتبر قتلا مسبقا له، ولاسيما في ظل الظروف التي تعيشها دور العجزة في بلادنا، ومع ذلك فإن مسؤولية الأسرة لا تلغي مسؤولية الدولة والحكومة، خاصة حين نستحضر ظروف العجز ونقص الإمكانيات اللذين يعيشهما الكثير من أسر المسنين، فعلى الدولة أن تهتم بفتح فضاءات المشاركة أمام الأشخاص المسنين، وأن تحفزهم على المساهمة في الإنتاج والإبداع، من أجل تحقيق ذواتهم واستعادة إحساسهم بالجدوى، سيما وأنهم في غالب الأحيان يكونون متوفرين على إمكانيات وقدرات تمكنهم من تقديم الكثير من العطاءات. العقوق من أكبر الكبائر أما نظرة الإسلام اتجاه هذه الظاهرة حسب الإمام (ن. جلول) فإنه من العيب الشديد وقلة المروءة وضعف الدين التخلي عن آبائنا وأمهاتنا بهذه الصورة البغيضة المنفرة فربما كانا باب أحدنا الذي يدخل به الجنة، فيجب أن يتسابق الأبناء لنيل رضا الآباء، أما الحكم الشرعي لهذه الظاهرة ليست كبيرة فقط ولكنها من أكبر الكبائر والله تعالى قال (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا) فمجرد إظهار التأفف ناهيك عن النهر يندرج تحت العقوق فما بالك بمن يخرج أباه من منزله أو يرميه وحيدا في دار المسنين تنفيذا لأمر زوجته، فإذا كان الله أمرنا بمصاحبتهما بالمعروف في حال شركهما بالله فما ما بالنا إذ كانا مسلمين ومؤمنين، كما ذكر المتحدث بقول الله تعالى(أني خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته)، مشيرا إلى قصة ذلك الرجل الذي احتضر ولم يستطع أن ينطق الشهادتين فلما أخبر الرسول الكريم بذلك قال أتوني بأمه فلما جاءت قال أكنت تأخذين عليه شيئا قالت لا لكنه كان يقدم زوجته علي فقال لها سامحيه؟ فقالت لا، فقال أتوني بنار لنحرقه حينئذ قالت لا لقد سامحته وعندئذ نطق الشهادتين.