يجمع الكل أن مستوى التعليم في الجزائر قد تدهور في السنوات الأخيرة، وبينت جل الأطراف الفاعلة عدم رضوانها على ما تنتجه المدرسة الجزائرية، فالأولياء ساخطون على دوامة المشاكل التي يتخبط فيها التلاميذ فمن التسرب المدرسي والطرد المبكر من المدارس إلى الإضرابات المتتالية التي يشهدها القطاع، والتلاميذ هم الآخرون اختلطت عليهم الأوراق بعد سلسلة الإضرابات التي يشهدها العام الدراسي في كل سنة ويكونوا (كبش فداء) في كل مرة، بحيث تكون النتيجة إما السرعة في إلقاء الدروس وحشوها من طرف المعلمين، أو التضحية بعطلهم المدرسية، هي كلها ظروف ساهمت وبشكل كبير في نفور التلاميذ من مختلف الأطوار من الدراسة وباتوا يتهربون منها ولولا إرغامهم من طرف الأولياء للفظت المدرسة الجزائرية أضعاف ما تلفظه سنويا بعد أن بات الخروج المبكر من المدارس من مميزات التعليم في الجزائر. من دون أن ننسى الإضرابات المتتالية كسبب رئيسي في تدهور حال المدرسة الجزائرية، بحيث أرعبت التلاميذ والأولياء معا لاسيما مع كثرتها في السنوات الأخيرة، إذ تحوّلت إلى مكسب مهم للمعلمين والأساتذة للمطالبة بحقوقهم المختلفة وأصبحت كسلاح فتاك لضرب التلاميذ دون قصد والمراهنة بمشوارهم الدراسي، لاسيما وأن القطاع التربوي هو قطاع حيوي وحساس في أي دولة وتظهر منه صورة الدولة في تربية الأجيال وتنشئة النخبة كعماد للمجتمعات بالنظر إلى دورها البارز في التقدم والرقي. إلا أن الناظر لحال المدرسة الجزائرية اليوم يجد أن حالها لا يبعث على الاطمئنان، فمن انتشار العنف إلى تفشي العادات السيئة كإدمان التلاميذ على التدخين وحتى المخدرات مما حوّل الصروح العلمية إلى شبه حلبات للصراع بين التلميذ والمعلم وبين التلاميذ أنفسهم، وختم هذا وذاك بمشكل الإضراب كأقوى مشكل من شأنه تدمير مشوار التلاميذ والرمي بهم إلى الشوارع، ذلك المشكل الذي أفرز بدوره ظاهرة لم نكن نلمسها من قبل بالوتيرة التي ظهرت بها، ألا وهي ظاهرة الدروس الخصوصية التي شاعت في أوساط التلاميذ والأولياء وبات حتى أطفال السنة أولى ابتدائي يدرجون بالدروس الخصوصية على غير العادة مما يفسر فقدان الثقة في المدرسة الجزائرية والتوجه إلى التعليم الموازي أو التعليم الخاص الذي بصم بصمته في السنوات الأخيرة، وظهر تزامنا مع الإصلاحات التي مست القطاع إذ لم يكن إقبال التلاميذ على الدروس الخصوصية بهذا الشكل في السابق، وكانت تخص ضعيفي المستوى لكن اليوم حتى التلميذ النجيب أضحى متخرجا من مدرسة الدروس الخصوصية، وهنا نطرح العديد من التساؤلات هل المعلم الجزائري أضحى يبذل مجهودات مضاعفة في المدرسة الخاصة التي تدر عليه بأرباح طائلة دون المدرسة العمومية، وبالتالي يتحوّل نعته من أستاذ إلى (تاجر علم) بسبب (البزنسة) الحاصلة في سوق الدروس الخصوصية أم أن الإصلاحات عجزت عن الرفع من مستوى التلاميذ وأحدثت شرخا عميقا في قدراتهم مما أوجب على الأولياء الإسراع إلى الدروس الخصوصية كقارب نجاة لإنقاذ مشوار التلميذ، كل تلك المعطيات توصلنا إلى معنى واحد ماهيته أن المدرسة الجزائرية (تحتضر)، فمن ينقذها وينقد أجيال المستقبل من الضياع على اعتبار أنهم حماة للوطن في الغد القريب بعد تسلحهم بنور العلم .