* هل ينوي الحوثيون تخريب وتقسيم البلاد؟ منذ سيطرة الحوثيين على صنعاءومحافظات شمالية أخرى بقوة السلاح، باءت توقعات كثيرة بالفشل على حساب بروز مفاجآت لم تكن في الحسبان وظل سيناريو الانزلاق إلى الحرب الأهلية هو الثابت الأكثر رسوخا، حيث بدا وكأن الحوثيين عازمون على دفع البلاد نحوه بطريقة غريبة. اليوم، أكثر من أي وقت مضى ازداد هذا السيناريو المخيف رسوخا بعد أن تسارعت الأحداث الأخيرة وانتقلت فجأة إلى طور أكثر خطورة، بفعل تنفيذ الحوثيين -أواخر جانفي- عملية انقلابية على شرعية المؤسسة الرئاسية، ومنح مليشياتهم (المسماة باللجان الثورية) شرعية إدارة شؤون الدولة تحت ما يسمى بسلطة فرض (الأمر الواقع) بدلا عن رئيس البلاد الشرعي. ولقد ازداد الأمر قتامة حين تمكن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وبطريقة غامضة من الإفلات من الإقامة الجبرية المفروضة عليه لقرابة شهر داخل منزله بالعاصمة صنعاء، والفرار إلى محافظة عدن الجنوبية ليبدأ من هناك إدارة شؤون الدولة، حيث قرر التراجع عن استقالته بعد أن كان سلمها في وقت سابق إلى مجلس النواب الذي لم يتمكن من الاجتماع للبت فيها. وبعث انتقال الرئيس هادي إلى محافظة عدن الجنوبية واستعادته زمام المبادرة في إدارة شؤون البلاد من هناك، أملا جديدا، حيث عد ذلك أشبه بطوق نجاة للمناوئين الرافضين لإجراءات جماعة الحوثي الانقلابية الأخيرة، لا سيما وقد شرعت الجماعة بممارسة سلطات الدولة واتخاذ القرارات وفرض التعيينات، فضلا عن منع المظاهرات الشعبية المناوئة واختطاف السياسيين والناشطين وتعذيبهم، مستغلة الاختلال الناجم عن الفراغ الدستوري بعد استقالة الرئيس والحكومة، للتفرد بالسلطة وتحويل الدولة إلى إقطاعية لمليشياتها، معززة قوتها العسكرية وفرض المزيد من الإجراءات التسلطية القمعية بهدف الهيمنة وإرضاخ النسبة العظمى من الشعب لسلطاتها. وكان الرئيس هادي، بمجرد وصوله عدن، أصدر بيانا هاما وصف فيه ما قامت به جماعة الحوثي منذ 21 سبتمبر الماضي، بالإجراءات (الانقلابية)، واعتبر كل ما صدر عنها منذ ذلك التاريخ (باطلا وغير شرعي). لكن جماعة الحوثي، في المقابل، حين وجدت نفسها في تلك الحفرة، لم تتوقف عن مواصلة الحفر. وتعاملت مع تلك التطورات المفاجئة بردة فعل تصعيدية حين اعتبرت الرئيس فاقدا للشرعية) و(مطلوبا للعدالة)، بل هددت كل من يتعامل معه بمحاكمات وعقوبات تحت جنحة (الخيانة العظمى)، وصدرت تصريحات عن قياديين في الجماعة بدراسة حل بعض الأحزاب السياسية، محددين حزب الإصلاح (الإسلامي المعتدل) كخطوة أولى. * إفرازات الحالة الجديدة أعلنت خمس دول خليجية حتى الآن، باستثناء سلطنة عُمان (التي تربطها علاقات قوية مع إيران، حليفة وداعمة الحوثيين)، نقل أعمالها الدبلوماسية إلى محافظة عدن وقوفا مع الشرعية الدستورية للرئيس ودعما للشعب اليمني. وفي ردة فعل تصعيدية أخرى، ذهبت جماعة الحوثي لفتح أبواب دبلوماسية مع خصوم الخليج الرئيسيين، وأبرمت اتفاقات تفتح المجال الجوي اليمني لشركة الطيران الإيراني بواقع رحلتين في اليوم بين صنعاءوطهران، كما قام قيادي حوثي رفيع بزيارة طهران على رأس وفد حكومي لإبرام اتفاقيات تجارية وسياسية لم يعلن عنها حتى الآن. ونفذت رحلة أخرى مشابهة إلى روسيا للغرض ذاته، وأعلن قياديون حوثيون أنهم سيقومون بزيارات دبلوماسية لدول أجنبية وعربية أخرى لإبرام اتفاقيات. وإزاء ذلك، صعد الرئيس هادي من لهجته واعتبر صنعاء (عاصمة محتلة) ضمن لقاء بسياسيين ومشايخ قبليين من محافظات شمالية أعلنت دعمها له ورفضها الانصياع أو التجاوب مع أية قرارات لجماعة الحوثي الانقلابية. وفي السياق هاجم الرئيس الحوثيين لإبرامهم اتفاقا مع شركات الطيران الإيرانية وتوعد من قام بذلك بالمحاسبة. وعليه، فثمة واقع جديد يتم تشكله حاليا، كان حتى وقت قريب مثار خشية العقلاء وتحذيرهم، ذلك لأن تلك المستجدات بدأت عمليا بإحداث فرز مذهبي وطائفي وجغرافي. وتلك مقدمات خطيرة محفزة ومسرعة للاحتراب الأهلي. ويزيد من هذا الخطر ذلك الانسحاب التصعيدي للتصارع الإقليمي، الذي من الواضح أنه -وبفضل التسارع والاستقطاب الحاد- يتمدد أكثر نحو فرز تحالفات دولية جديدة تقوم على المصالح المشتركة بين الدول الكبرى ومحاضنها الإقليمية. * العمليات الانتحارية في صنعاء كان أول أمس الجمعة يوما داميا لأطفال اليمن، حيث توفي ما لا يقل عن عشرة أطفال وأصيب آخرون في أربعة تفجيرات انتحارية متزامنة أثناء صلاة الجمعة هزت مسجدي الحشوش وبدر في حيي الجراف والصافية، جنوبي العاصمة وشماليها. وأكدت المصادر سقوط عدد من الأطفال كانوا في المسجدين، حيث يحرص كثير من اليمنيين على اصطحاب صغارهم لصلاة الجمعة. وقال محمد عبد الولي أحد المصلين والناجين من العملية إنه شاهد عدداً من الأطفال كانوا توفوا بعد إصابتهم بشظايا في أماكن مختلفة من أجسادهم. مشيرا إلى أن أصوات البكاء تعالت بعد الانفجار مباشرة، إما بسبب جراحهم أو فزعهم من صوت وضغط الانفجار. وتبادل مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي اليمنيون عدة صور لأطفال داخل المسجدين قتلى أو مصابين أو مصدومين. وعبّر حقوقيون عن إدانتهم للأطراف السياسية والدينية المتطرفة، واتهموها باستمرار تعريض الأطفال للعنف والموت في صراعاتها المسلحة. كما استنكروا مواصلة استقطاب الأطفال مذهبيا وسياسيا، مما يعرض حياتهم للفناء. * الأطفال ضحايا ليست هي المرة الأولى التي يسقط فيها أطفال جراء عمليات انتحارية في اليمن، حيث قتل عشرات الأطفال بشكل جماعي في هجمات مشابهة منذ نهاية العام الماضي، كان أولها تفجير انتحاري في تجمع تابع لأنصار الله (الحوثيين) في أكتوبرالعام الماضي، بينما استهدف تفجير آخر حافلة طلاب مدرسة، عند توقفها في نقطة تفتيش تتبع المسلحين الحوثيين في مدينة رداع بمحافظة البيضاء، في منتصف ديسمبر الماضي، وكان التفجير الأخير أثناء فعالية ذكرى المولد النبوي بمدينة إب في نفس الشهر. * ضحايا العنف بين الأطراف المسلحة في اليمن كانت منظمة الأممالمتحدة لحماية الطفولة (اليونيسيف) في وقت سابق قد ناشدت الأطراف المتصارعة في اليمن الامتناع عن استهداف المناطق السكنية والمدارس والمستشفيات والأماكن التي يوجد فيها أطفال وضمان حمايتهم بحسب متطلبات القانون الإنساني الدولي، وأكدت أن شهر ديسمبرالماضي 2014 على وجه الخصوص، كان الشهر الأكثر فتكاً بالأطفال في اليمن، حيث شهد مقتل وتشويه 83 طفلاً في صراعات مسلحة. وأوضحت المنظمة أن هذا الرقم يمثل ثلاثة أضعاف عدد الضحايا من الأطفال المسجلين في ديسمبر 2013، والبالغ عددهم 31 طفلاً يمنيا، ولفتت إلى أن الاستهداف العشوائي والمتعمد ضد المدنيين، بمن فيهم الأطفال، يعد انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، مطالباً الأطراف اليمنية بضرورة حماية الأطفال وإبعادهم عن الصراعات والحروب.