بقلم: محمد قروش في ظرف أقل من سبع سنوات عرفت الجزائر ثلاث تظاهرات ثقافية كبرى أكلت أموالا طائلة، بعضها لهفته الأيادي الخبيثة والبقية حولت الى وجهات أخرى مجهولة، ليتحول المشهد الى كرنفال للفرق الراقصة والشطحات البهلوانية دون أثر للثقافة ولا للمثقفين. فبداية بسنة الثقافة العربية بالعاصمة الى تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية ووصولا الى تظاهرة قسنطينة التي ستنطلق هذا الأسبوع، رصدت الدولة ميزانيات ضخمة بأرقام لا يعرف حسابها ولا كيف صرفت ولا أين صرفت من أجل بناء مشاريع ثقافية كبيرة تؤسس لانطلاقة ثقافية في مختلف الميادين والفنون كالكتاب والسينما والمسرح لكي تكون قاطرة لدفع العمل الثقافي في الجزائر وتحريك عجلته المتوقفة منذ سنوات طويلة. لكن الذي حدث أن كل هذه (السنوات الثقافية) لم تزد من تطوير قطاع الثقافة في الجزائر، بقدر ما أسست لثقافة البريكولاج والتلصيق والشطيح والرديح التي بلغت أسعارها أرقاما خيالية دون ان تساهم في إنعاش الثقافة ولا للمشاريع الثقافية الكبرى في البلاد التي ظلت الوزارات المتعاقبة من خليدة تومي إلى نادية لعبيدي تتشدق بها. فأين الكتب والمطابع وأين الأفلام وقاعات السينما وأين المسارح والتمثيليات وأين الموسيقى ومعاهدها وأين قاعات المحاضرات وأساتذتها؟، فالجزائر العاصمة وتلمسان وقريبا قسنطينة لا تملك الى اليوم قاعات جديدة للسينما ولا مسارح كبرى ولا مكتبات تزدحم بالقراء، اللهم إلا تلك التي كانت سابقا وأغلبها بني قبل عشرين سنة، ولم يضف إليها أي صرح أو معلم ثقافي يذكر خلال هذه التظاهرات. والحقيقة أن هذه التظاهرات قد تحولت الى مجرد ألعاب بهلوانية تصرف عليها مئات المليارات سرعان ما تنتهي وتنطفئ عند نهاية العرض، دون أثر على أرض الواقع مثل صاحب الخيمة وما أكثر الخيام الثقافية الذي ينصب خيمته ليقدم العاب السيرك ثم ما يلبث أن يلُم أغراضه ويرحل عنها. والتساؤل المطروح كم كان يمكن أن نبني بهذه الأموال المهدرة من مسرح وقاعة سينما ومعهد للفنون والموسيقى وقاعات للمحاضرات والعروض والمكتبات والمراكز الثقافية والعلمية في كل ربوع الجزائر الكبيرة ؟ وكم كان يمكن أن نكوّن بهذه الأموال من أبناء الجزائر في مختلف الفنون والعروض والنشاطات الفنية والفكرية والثقافية ؟هل تعلمون أن هناك بلديات ودوائر بل ولايات لا تملك مركزا ثقافيا ولا مكتبة ولا قاعة للمحاضرات ولا دار للسينما ولا مسرحا ولا ناد للشباب، هل تعلمون أن الشباب لا يجد اين يتجه في أوقات فراغه سوى نحو المقاهي والمحشاشات المليئة بالمخدرات والسموم .. تساؤلات لن يُجبنا عنها بالتأكيد أصحاب عواصم الثقافة؟!