بقلم: خليل حسن* تعاني دول العالم من تحديات عولمة جديدة بعد أن حولت تكنولوجية الاتصالات والمواصلات العالم لقرية صغيرة وتأثر كل جزء من العالم من الجزء الآخر وخاصة بعد أن أثبت النظام الشيوعي فشله لتبرز المفاهيم الأمريكية للرأسمالية التي تصر على ترك السوق الحرة لتنظم نفسها بيدها الخفية وبدون تدخل الدولة. وقد برزت هذه النظريات في فترة حكم رئيسة الوزراء البريطانية مرجريت تاشر والرئيس الامريكي رونالد ريجن في نهاية السبعينيات والتي نجحت في التخلص من القوانين والأنظمة التي تقيد حرية رأس المال في التجارة وخصخصة القطاع العام الصناعي في الدولة مع توفير سوق عمالة مرنة وتهميش الاتحادات العمالية. ومع أن هذه السياسات طورت السوق الحرة العالمية وسهلت التجارة ووفرت وظائف جديدة وأعطت الشركات فرصة للتطوير والإبداع وزيادة الإنتاجية ورفعت أرباح الشركات الصناعية العملاقة ولكن كان لها تأثيرات متناقضة على القوى العمالة خاصة بعد أن أخذ واقع دخل المواطن في الانخفاض بسبب التضخم الاقتصادي بارتفاع أسعار البضائع وانخفاض سعر الصرف للعملات مما خلق تباينا كبيرا في الدخل بين ربحية رأس المال وربحية الطاقة البشرية العاملة. مما أدى كل ذلك لقرب اختفاء الطبقة المتوسطة في الغرب وتمركز ثراء العالمي في يد قلة صغيرة من الأغنياء حيث يبين هرم الثراء العالمي بأن0.7 بالمائة من شعوب العالم تملك 42 بالمائة من ثراءه بل 8 بالمائة من شعوب العالم تملك 85 بالمائة من ثراء العالم كله بينما يملك ما يقارب 70 بالمائة من باقي شعوب العالم فقط 3 بالمائة من الثراء العالمي. وتتكرر تباين نسبة الثراء الخطرة في المجتمعات الغربية أيضا فمثلا يملك 10 بالمائة من الشعب الأمريكي 80 بالمائة من الثراء الأمريكي بينما 50 بالمائة من الشعب الامريكي يملك فقط 2 بالمائة من الثراء. وتتكرر هذه الصورة أيضا في معظم دول أوروبا الغربية. وقد يبرز تحديات تباين الثراء بشكل واضح في الولاياتالمتحدة حيث تبين الإحصائيات بأن مع التزايد الحاد والمخيف لتباين الثراء في المجتمع الأمريكي منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي ارتفعت نسبة عدم الاستقرار السياسي والأمني وخاصة مع بروز ظاهرة ثورة حزب الشاي والذي أدت لتدهور الاستقرار في الكونجرس الأمريكي بل واستقالة رئيسه مؤخرا. كما ينعكس عدم الاستقرار السياسي هذا في الحملات الدعائية للانتخابات الأمريكية القادمة حيث استطاع الأثرياء في الدفع بأموال طائلة لضمان نجاح سياسيهم في الانتخابات القادمة بل وحتى برزت شخصيتين مستقلتين في عملية التنافس على رئاسة الولاياتالمتحدة لعام 2017 حيث برز الملياردير المستقل رونالد ترمب وكممثل للحزب الجمهوري كما برز الاشتراكي المستقل دينس ساندرس منافسا قويا للسيدة هلري كلنتون وممثلا عن الحزب الديمقراطي. عصر جديد كما بدأت تختفي مفاهيم المسؤولية المجتمعية الفابية للرأسمالية البريطانية والتي برزت في كتابات منظر الرأسمالية الأسكوتلاندي الاقتصادي والفليلسوف الأخلاقي آدم سميث الذي شرح تصوراته عن الرأسمالية من خلال مجموعة من مؤلفاته في القرن الثامن عشر حيث وفر في كتابه المشاعر الأخلاقية الذي صدر في عام 1759 القواعد الأخلاقية والفلسفية والنفسية والمنهجية لكتابه الثاني ثراء الأمم. ويعتبر آدم سميث الأب الروحي للرأسمالية المعاصرة وقد شرح أفكاره عن الرأسمالية في كتابه ثراء الأمم الذي صدر في عام 1776 والذي أبرز فيه نظرياته حول بناء ثراء الأمم والذي يعتبر اليوم عملا أساسيا لعلم الاقتصاد التقليدي كما تعرض في كتابه للاقتصاد في بداية الثورة الصناعية وعالج مواضيع عامه كتوزيع العمالة والإنتاجية والسوق الحرة. وقد لعب هذا الكتاب دورا بارزا في تطوير العلوم الاقتصادية كمقارنة بكتاب إسحاق نيوتن أساسيات الرياضيات في العلوم الفيزيائية وكتاب انطوني لافيوزير في العلوم الكيماوية وكتاب شارلز دارون أصل الأنواع في العلوم البيولوجية. وقد اعتمد أدم سميث في منهجه الأخلاقي على أستاذة في جامعة غلاسجو الفيلسوف البريطاني فرانسيس هتشسون الذي قسم الفسلفة الأخلاقية إلى أربعة أقسام: الأخلاق والفضيلة الحقوق الخاصة والحرية الطبيعية الحقوق العائلية(وسماها الاقتصاد) والدولة والحقوق الفردية (وسماها السياسية). ولنتذكر عزيزي القارئ بأن التطورات التكنولوجية القادمة في الألفية الثالثة ستغير تماما آلية العمل وتخلق ثورة قادمة بين الموارد البشرية المتوفره. وسيكون للذكاء الآلي دورا مهما في هذه التغيرات بعد أن استفادت شركات الأجهزة الآلية من حوارات الشبكات التكنولوجية الاجتماعية في تطوير طريقة تفكير وآلية إبراز العواطف في روبت (الإنسان الآلي) المستقبل بعد أن غذيت الكومبيوترات العملاقة بجميع حوارات ومناقشات الشبكات الإلكترونية الاجتماعية. كما بدأت تتغير الديموغرافية السكانية للكثير من البلدان فمثلا ارتفت نسبة المتقاعدين الذين يتجاوزن الخمسة والستون من العمر 26 بالمائة بين سكان اليابان بينما أخذت تنخفض نسب الولادات ونسب الأطفال مما سيكون له تأثير سلبي مستقبلي على نسب الموارد البشرية العاملة في المجتمع الياباني. ويتوقع اليابانيون بأن عدد سكان اليابان الذي يتجاوز اليوم 127 مليون بأن ينخفض إلى 90 مليونا بعد عام 2050 كما تنتشر نكتة يابانية تقول: (بأن الشعب الياباني سيختفي من العالم مع قبول عام 3000 لو استمرت نسب الخصوبة المنخفضة كما هي اليوم). وقد أدت هذه التحديات الديموغرافية لعمل التكنولوجية اليابانية في تطوير الإنسان الآلي الذي يلعب دورا مهما في الصناعات اليابانية اليوم ومن المتوقع أن تزداد أهميته في المستقبل لكي يعوض عن الانخفاض الحاد في نسب القوى العاملة. ويبقى السؤال لعزيزي القارئ: ما تأثير التطورات التكنولوجية للذكاء الآلي على مستقبل العمالة في دول الشرق الأوسط؟ فهل ستؤدي لإنهاء دور 40 بالمائة من الوظائف المتوفرة اليوم؟ وهل سينتج من ذلك زيادة مفرطة في نسب البطالة؟ وهل ستنتهي هذه التحديات بطوفان ثوارات جديدة في المنطقة أم ستكون دول الشرق الأوسط مستعدة لهذه التحديات القادمة؟