أخبار اليوم تنشر النص الكامل لمبادرة جمعية العلماء نداء لإنقاذ المدرسة الجزائرية.. * هكذا ينبغي أن تراجع أوضاع المنظومة التربوية قدمت جمعية العلماء المسلمين وصفة لعلاج المدرسة الجزائرية مشددة على ضرورة مراجعة أوضاع المنظومة التربوية التي بات مستواها التعليمي متدنيا إلى درجة أفقدت النظام التعليمي القدرة على تحقيق أهدافه وأصبحت الشهادات العلمية مجرد وثائق لا تعبر عن درجات معرفية ومستويات فكرية قادرة على تحقيق الإقلاع التنموي وصارت المدرسة الجزائرية لا تؤدي الدور المنوط بها وأشارت (أم الجمعيات) إلى وجوب تدارك الوضع التربوي المتدهور والذي يزداد في كل موسم خطورة عن سابقه. وطالبت جمعية العلماء المسلمين في بيان لها حمل عنوان (نداء وتنبيه) بضرورة إيلاء المنظومة التربوية أهمية من خلال اتخاذ الإجراءات الفعلية المطلوبة لتصحيح المسار ومنع القرارات الخاطئة المتسرعة تجنبا لما قد ينتج من عواقب ضارة لا تخدم مجتمعنا لا في حاضره ولا مستقبله داعية المسؤولين وكافة قوى الشعب الحية وأصحاب الضمائر في سلك التربية والتعليم وأولياء التلاميذ والنقابات والإعلاميين وكل مفاصل الدولة إلى التنبه التام واتخاذ الموقف المناسب لضمان مستقبل أبنائنا مهيبة بهم أن يقفوا جميعا وقفة واحدة في وجه كل ما يمس مقومات الأمة وإضعاف شعورها الوطني وترمي إلى فصل أبنائها عن لغة دينهم وعن لغة العلم والتكنولوجيا والإصرار على فرنستهم. النص الكامل لنداء وتنبيه جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إن الأوضاع المتدهورة التي وصلت إليها مستويات التعليم في الجزائر لم تعد تخفى على أحد بل يكاد يُجمع المختصون والمهتمون بالشأن التربوي وعامة المواطنين أن المدرسة الجزائرية في جميع مراحلها لم تعد تؤدي الدور المنوط بها وأصبح مستوى التعليم بها متدنيا إلى درجة جعل النظام التعليمي لا يحقق أهدافه وأصبحت الشهادات العلمية مجرد وثائق لا تعبر عن درجات معرفية ومستويات فكرية قادرة على تحقيق الإقلاع التنموي. وما نلحظه اليوم من ضبابية في الرؤية والتسيير وما نستشفه من توجيهات مبهمة في الاستشراف والتخطيط يكشف لنا عن حالة من الاستمرارية للسياسات التربوية التي أنتجت هذا الوضع البائس. وأبرز صور الضبابية التي تحيط بواقع المدرسة ومستقبلها هي انعدام الشفافية في تسيير ملف الإصلاحات وترك الأمر للتسريبات والتكهنات مما فتح الباب للإشاعات وأحدث قلقا في مختلف شرائح المجتمع وحيرة. ولهذا فإيمانا من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بمسؤوليتها أمام الله والوطن والتاريخ والأجيال القادمة فإنها توجه هذا النداء والتنبيه إلى كل المسئولين والمهتمين بالشأن التربوي وكافة أبناء الشعب الجزائري ليتأملوا النقاط التالية: 1- المناهج والبرامج: إن ما تعيشه الجزائر من انفراد فئة ذات خلفية إيديولوجية غريبة عن الخلفية الحضارية للشعب الجزائري أمر يتعين وطنيا وحضاريا العمل على تغييره ومنع استمراره في الوضع الذي وصل إليه فأزمة التعليم في الجزائر استحكمت والرداءة التي وصل إليها التعليم تجعل من إصلاحه ومراجعة أوضاعه مسألة بالغة التعقيد لخطورة مخرجاته على البلاد والعباد لهذا فهو بحاجة إلى تكاتف جهود المخلصين من المختصين لوضع مشروع جامع تتبناه الدولة ويشرف على إنجازه ومتابعة تنفيذه مجلس أعلى للتربية والتعليم يكون تابعا للرئاسة يشارك فيه المتخصصون والخبراء والعلماء والمفكرون الجزائريون من داخل الجزائر ومن خارجها لتجاوز حالة الرداءة وانهيار المستوى. وهذا المشروع لا يهتم بمسألة التعليم العام في مستوى واحد فحسب بل يتناول أيضا كل المستويات التعليمية بما في ذلك التعليم العالي والبحث العلمي والتكوين المهني فالأزمة مترابطة ولا يمكن معالجة حلقاتها بمعزل بعضها عن بعض. 2- اللغة العربية: إن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد بنص الدستور وعليه يجب أن يُحترم وضعها الدستوري في مجالات التطبيق وفقا لقانون تعميم استعمال اللغة العربية الصادر عام 1991. وإن التاريخ الحديث والقديم لم يشهد نهضة لأمة أو شعب بغير لغته ومن حاول ذلك من خلال لغة دخيلة فإنه يظل يئن تحت وطأة التخلف ويعاني تبعاته. وإن التقدم العلمي الشامل يقتضي في مجتمعنا وجوب العمل على تعميم استعمال اللغة العربية في جميع مراحل التعليم وبجميع أنواعه وفي البحث العلمي في كل مجالاته باعتبار أن اللغة العربية يجب أن تظّل لغة العلم والتكنولوجيا والتواصل والإبداع للخروج من التخلف وهذا يقتضي تعريب المواد العلمية والتقنية في مستوى ما بعد البكالوريا وجميع المستويات. 3- اللغات الأجنبية: إن مسألة التفتح على اللغات الأجنبية أمر ضروري لا غنى عنه. لكن اعتبار اللغة الفرنسية وحدها لغة التفتح على العالم والعلوم والتكنولوجيا هو الانغلاق بعينه والتبعية. ولهذا فإنه لا يحق للمسؤولين على شأن التربية والتعليم أن يحكموا على أبنائنا بالعزلة العلمية والفكرية ويجعلوهم مجرد مجترين لما تتفضل به علينا المؤسسات والدوائر الفرنسية من ترجمات لم يعد من الممكن اليوم أن نواكب بها سرعة التطور العلمي والتكنولوجي وتداول المعلومات. إن اللغات الأجنبية وسائل اتصال ومعرفة والإنجليزية اليوم هي لغة التواصل والنشر العلميين فتعلمها ضروري للالتحاق بركب العلم والحضارة. ولهذا فإننا نطالب بأن تتحول المنظومة التربوية والتعليمية في الجزائر نحو اعتماد اللغة الانجليزية لغة ثانية بشكل متدرج وبخطوات مدروسة. إن معالجة مشكلة التفتح على اللغات تتطلب تحديد خطة واضحة تُراعى من خلالها أنواع اللغات التي تفيد البلاد وأسلوب التعامل مع كل لغة. 4-التربية الإسلامية والتاريخ: إن التربية الإسلامية التي تعزّز الاستقامة الأخلاقية وتمتّن تماسك البناء الأسري والاجتماعي وتحصنهما من كل أشكال الانحراف والسقوط والاختراق وترتقي بسلوك الفرد والمجتمع وتثبت الهوية الوطنية وتحمي عناصرها لهي حصن يجب أن يُحمى ويُدافع عنه فإذا سقط هذا الحصن سقطت بقية القلاع واحدة تلو أخرى وتخلخل التماسك الاجتماعي. إن تاريخ الجزائر ليس تاريخ الحقب التي نعرفها اليوم فقط بل هو تاريخ متشعب ومترابط الحلقات وهو تاريخ حافل بالإنجازات الحضارية لابد من اعتماده كأحد مكونات هوية الأمة وضابط لانتمائها وليس كأخبار وشذرات عاجزة عن النفاذ إلى وعي التلميذ والطالب وهو ما يحتم تحويله إلى أحد المرتكزات العلمية التعليمية في صورته الشمولية وليس المعاصرة فقط من أجل ربط حلقات الماضي بالحاضر والمستقبل. إن تدريس هاتين المادتين التربية الإسلامية والتاريخ وفق رؤية واضحة يتم بها استعادة منزلتهما الكاملة في مختلف التعامل التربوي وذلك بتخصيص الوعاء الزمني الملائم وتوفير الأستاذ الكفء والمعامل اللائق وجعل الامتحان في المادتين إجباريا وضروريا في جميع المستويات والشهادات. 5- سياسة التكوين وإعداد الأطر: إن النهوض بواقع المنظومة التربوية وترقية مستوى الأداء المدرسي يتوقف على اتباع سياسة مدروسة في مجال اختيار العناصر التي يُسند إليها التعليم والإشراف عليه وإعدادها إعدادا شاملا علميا وتربويا وأخلاقيا لممارسة رسالة التعليم وتجنّب أسلوب التوظيف المباشر الذي يتّم بدون تكوين. 6- الهياكل والإمكانات المادية: إن البديل الحقيقي للخروج من أي أزمة حضارية هو الاستثمار في الإنسان والعلوم عبر بناء مؤسسات تربوية توفر لأبناء الشعب تعليما وتربية راقيين بوسائل تستجيب لمتطلبات العصر وتوفر فرصا متساوية لجميع فئات الشعب مع توفير المخابر والأدوات والأجهزة المتطورة والسعي لتحقيق الجودة في التعليم والاهتمام بالتعليم التقني والإبقاء عليه وتطويره. 7- المدارس الخاصة وروضات الأطفال: ومن الضروري التنبيه إلى ما تعيشه المدارس الخاصة من فوضى في التنظيم وعدم التقيد بالبرنامج الرسمي ولذلك يجب مراقبتها حتى لا تخرج عما ستكون عليه المنظومة التربوية وتقييم أعمالها كي لا تنتهج منهجا يقطع جذور أبنائنا عن ثقافتهم ويعمل على تخريج فئات مختلفة في الفكر والسلوك عن ما تخرجه المدارس الرسمية. أما في مستوى روضات الأطفال فالأمر أخطر لأنّها تعتمد في أنشطتها اللّغة الفرنسية وتعامل الأطفال بها وما تقدمه من برامج ترفيهية بعيد في مضمونه ولغته عن واقع بيئتنا. إن جمعية العلماء تدعو المسئولين وكافة قوى الشعب الحية وأصحاب الضمائر في سلك التربية والتعليم وأولياء التلاميذ والنقابات والإعلاميين وكل مفاصل الدولة إلى التنبه التام واتخاذ الموقف المناسب لضمان مستقبل أبنائنا... وتهيب بهم أن يقفوا جميعا وقفة واحدة في وجه كل ما يمس مقومات الأمة وإضعاف شعورها الوطني وترمي إلى فصل أبنائها عن لغة دينهم وعن لغة العلم والتكنولوجيا والإصرار على فرنستهم. وأملنا من توجيه هذا النداء أن ينتبه المسؤولون إلى ما يؤدي إليه هذا الوضع التربوي المتدهور الذي يزداد خطورة ونتمنى أن يتدارك أولو الأمر هذا الوضع باتخاذ الإجراءات الفعلية المطلوبة لتصحيح المسار ومنع القرارات الخاطئة المتسرعة تجنبا لما قد ينتج من عواقب ضارة لا تخدم مجتمعنا لا في حاضره ولا مستقبله. (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود/88]. اللّهم قد بلغنا... اللّهم فاشهد...