كما أنَّ العقل يحتاج إلى غذاء فكريّ ومعرفيّ متوازن وصحّي كذلك الرّوح تحتاج إلى عاطفة وحنان وإرواء للمشاعر الإنسانيَّة بشكل متوازن وكاف يضمن دوام العلاقات ويعمل على استمراريَّتها بالشَّكل السَّليم بحيث تبقى في مأمن من كلِّ المخاطر الّتي تحاول الانحراف بها أو إضعافها وإسقاطها في المجاهل وإيقاعها في دائرة القلق والخوف والتوتّر. فالزَّوج كما الزَّوجة يحتاجان في علاقتهما إلى العاطفة والمحبَّة اللَّتين تبرزان أجواء المودَّة والرَّحمة كي تظلَّ هذه العلاقة تمتاز بالحيويَّة والفاعليَّة ولا تصيبها الرّتابة والانكماش والجمود وبالتَّالي يُفتَح المجال أمام المشاكل والمواجهات فكثيرٌ من الأزواج والزَّوجات يشكون من تصحُّر العلاقة العاطفيَّة بينهم بعد مرور فترة على الزّواج ولا يبادرون إلى معرفة الأسباب ولا إلى السّرعة في معالجتها عبر خلق الأجواء المناسبة الَّتي تعيد الدِّفء إلى روح هذه العلاقة بل على العكس يستسلمون لهذا الجمود وتبدأ المشاكل في الظهور وصولاً إلى حدِّ الطّلاق إذ تمضي الأشهر والأيّام دون أن ينفتح الزّوجان على بعضهما البعض وتبقى العلاقة قائمةً على أساس الكلام في متطلّبات الحياة الأسريَّة وهمومها. هذا الواقع المظلم ينعكس سلباً على مشاعر الأولاد إذ يتأثّرون بانعدام أجواء العاطفة والمودَّة بين الأب والأمّ وتتشتَّت أفكارهم وتبدأ آثار تلك السّلبيَّة تظهر على وجوههم أو تضغط على نفسيَّاتهم وهو ما يخلق لهم مشاكل نفسيَّة وسلوكيَّة في المستقبل. ضرورة الابتعاد عن الجمود إنَّ الحياة الزّوجيَّة ليست حياةً ميكانيكيَّةً جامدةً وروتينيَّة بل هي عاطفة تلتقي بأخرى ومحبَّة ينعم في ظلّها الجميع وتزرع الحياة في أركان البيت الأسريّ وتسهم في بناء الأولاد وتأهيلهم نفسياً واجتماعياً وتركّز الثّقة لديهم بأنفسهم فلا يمكن أن تستمرَّ الحياة الأسريّة مع انعدام الحوار والتّفاهم والانفتاح وأجواء الحنان والعاطفة ويوضح اختصاصيّون نفسيّون أنَّ هناك كثيراً من الأسباب لجفاء العلاقة العاطفيَّة بين الزّوجين منها الفارق في العمر والتَّحصيل العلميّ والثّقافيّ إضافةً إلى الغيرة والشكّ المستمرّين وعدم استعمال الأساليب والمفردات الّتي تُبقي الحياة في عروق العلاقة العاطفيَّة. وينصح هؤلاء بتهيئة الأوضاع والظّروف بين الزَّوجين لإبقاء الدّفء في العلاقة والحفاظ على ذلك من خلال الاحترام والتّقدير واستعمال العبارات اللّطيفة وتذكّر الأوقات السَّعيدة والخروج سويّاً في رحلات للترفيه عن النّفس وزيادة الأوقات المخصَّصة للجلوس معاً والاهتمام بالآخر ويعلّق باحثون اجتماعيّون بأنَّ الزَّواج له غايات وأهمّها تحقيق المودّة والرّحمة والسّكينة داخل الأسرة. من هنا لا بدَّ من توعية المقبلين على الزّواج بأهميّة تعزيز المودَّة والرَّحمة والسَّكينة وإعطائها الأولويّة القصوى والأهميّة اللازمة وذلك من أجل بناء أسرة سليمة إضافةً إلى مساهمة وسائل الإعلام ومؤسَّسات المجتمع المدني في تعزيز القيم الأسريَّة. ويركِّز القرآن الكريم على المودَّة والرّحمة في العلاقة الزّوجيَّة واستقرارها واستمراريّتها ونجاحها فيقول: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}[الرّوم: 21]. من هنا تفرض علينا المسؤوليَّة أن نقوم بما يلزم من أجل الحفاظ على أواصر الألفة والمحبَّة والرَّحمة والسَّكينة صوناً للأسرة وتحقيقاً لغاية انسجامها القائم على أسس صحيحة ومتينة قادرة على مواجهة كلِّ التّحدّيات والصّعوبات وما أكثرها اليوم! إذ تعاني الأسر كثيراً من الضّغوطات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والنّفسيَّة الصَّعبة الَّتي تستوجب من الأزواج أن يفعلوا ما بوسعهم من أجل تقوية وضعها وحمايتها وزرع المودَّة والرّحمة فيها بما يكفل سعادتها وسلامتها وديمومتها إذ إنَّ انعدام المودَّة والرَّحمة يأتي بالدَّمار والشَّقاء ويؤدِّي إلى فقدان الطّمأنينة وشيوع الكراهية وتخييم شبح الشِّقاق. ومراعاة مشاعر الزَّوج كما الزَّوجة يجعل من الجوّ العائليّ أكثر تماسكاً ومناعةً. فلنربِّي أنفسنا وأجيالنا على العاطفة والحنان والمودَّة كعناصر أساسيَّة لا بدَّ منها للتَّعبير عن نضج الشَّخصيَّة وانفتاحها.