بقلم: عميرة أيسر* كانت الولايات المتحدة الأمريكية طوال تاريخها المُمتد منذ حرب فيتنام وحتىَّ غزو العراق تستعمل عدَّة طرق ووسائل من أجلِ إخضاع الدُّول وإجبارها على تبني سياستها والانقياد لأوامرها ومن أهمِّ هذه الوسائل المستعملة لذلك العقوبات الاقتصادية الصَّارمة وهذا ما حدث مع إيران طوال15سنة نتيجة عدم تقبلها للسِّياسة الأمريكية الامبريالية التوسعية والتي دعمت نظام البعث وعلى رأسه الرَّاحل كما يقال صدام حسين في حربه عليها ولكن عندما لم تستطع تركيعها عقدت معها اتِّفاقا نووياً لحفظ ماء وجهها ورغم الاستفزاز الصَّارخ الذي قامت باتخاذه أحد المَحاكم الأمريكية والتي قضت بدفع إيران حوالي10.5مليار دولار لضحايا تفجيرات11سبتمبر2001 ورغم أنَّ كل الأدلة تشير إلى عدم تورط إيران أو أحد أجهزتها الأمنية في تلك الحوادث ولكن زعم المحكمة الأمريكية كان بأنَّ إيران لم تقدم أدلة على عدم تورطها في دعم الإرهاب وتنظيم القاعدة الذي يعتبر نظام الملا لي الشِّيعي في إيران من أكبر أعدائه وهي ادِّعاءات سافرة الغرض منها التأثير على قرارات طهران في ملفات المنطقة وإجبارها على الخضوع لمطالبها هناك أو تغيير سياستها بما يلائم حلفاء واشنطن في الشَّرق الأوسط وعلى رأسهم الكيان الصهيوني ليس هذا كل ما في الأمر بل إن أمريكا استعملت سلاح العقوبات الاقتصادية إلى جانب سلاح آخر لا يقلُّ تأثيراً على العقوبات وهو تهمُ دعم الإرهاب وتمويله وهي التهمة التي قصف على أساسها العراق سنة1991بالقنابل العنقودية والمخضَّبة باليورانيوم المنضب. إذ حسب الكاتبة والمُحامية والتي كانت محامية الرئيس العراقي صدام حسين اللبنانية الأستاذة بشري الخليل فإنَّ العراق سقط عليه حوالي960ألف قذيفة من اليورانيوم المنضَّب أي حوالي 630 ألف بوند منه وهذا ما أدى إلى مقتل أزيد من500 ألف طفل عراقي حتىَّ سنة2002حسب إحصاءات اليونيسيف هذا زيادةً على الألآف ممن فقدوا أطرافهم وأصيبوا بحروق شديدة وتشوهات خلقية وأمراض فتَّاكة ومميتة وكلنا يعرف الآثار الجانبية لهذا السِّلاح المُحرم دولياً ولكن رغم ذلك لم تتورع أمريكا في استخدامه هناك بدعوى دعم نظام صدَّام للإرهاب وهي نفس التهمة التي تمَّ على أساسها احتلال العراق سنة2003 إذ من الادعاءات الأمريكية البريطانية الكاذبة التي احتل العراق بسببها هو احتواؤه على قنابل نووية رغم تأكيد بعثة التفتيش الدولية على خلوه منها ولكن هذه التهم لم تكن كافية لوحدها لإقناع الرَّأي العام الأمريكي والكونغرس بل تزامنت مع تهمة احتمال وجود علاقة مؤكدة بين النِّظام العراقي في بغداد وتنظيم القاعدة بقيادة زعيمه السَّابق أسامة بن لادن الذي أعلن عن مقتله بعد سنوات من غزو العراق من قبل الأمريكان والتي تحوم شكوك كثيرة حول واقعة اغتياله ويروي الكاتب الأمريكي جون مارشماير في كتابه (لماذا يكذب القادة والزعماء؟) بأنه كان لدى إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن قبل الحرب على العراق دلائل دامغة على أنَّ صدام حسين لم يعمل مع بن لادن فقد أبلغ مسئولان تنفيذيَّان من القاعدة كانا قد ألقي القبض عليهما بعد أحداث 11سبتمبر المحققين معهما كل واحد منهما على حدة وتبيَّن بأنه لم يكن يوجد علاقة له مع أسامة بن لادن وأكثر من ذلك لم تستطع وكالة الاستخبارات الأمريكية ولا حتىَّ وكالة الاستخبارات الدفاعية إيجاد دليل كامل حول أيِّ رابط ذي معنى بين الشيخ أسامة (بن لادن) والرئيس العراقي صدام حسين وهذا ما اعترف به أحدُ المسئولين السَّابقين في إدارة جورج بوش لقناة فرانس2 وبعد ذلك طلب حذف المقابلة كليةً وعدم إذاعتها وهذا ما أكده الباحث والكاتب والنَّاشر الفرنسي السيِّد ميشال كولون والذي يعتبر واحداً من أهمِّ الكتاب في الغرب الذين فضحوا المُمارسات والعنصرية الأمريكية التي تضرب قواعد القانون الدَّولي وحقوق الإنسان في مقتل. سلاح العقوبات ليس هذا فقط بل إنَّ الولايات المتحدة الأمريكية قامت بفرض عقوبات على دول مثل كوريا الشمالية وزعيمها الحالي كيم جونغ أون وذلك على خلفية برنامجها النووي التسليحي والذي أثمر إنتاج بيونغ يونغ لسلاح القنابل النَّووية فهذا الزعيم الآسيوي هدَّد مؤخراً باستهداف الولايات المتحدة الأمريكية ومدنها وذلك بعد المناورة المشتركة بين القوات الأمريكية وقوات كوريا الجنوبية والتي شاركت بحوالي 300ألف جندي بالإضافة إلى القوات الأمريكية المنتشرة على خط العرض والمتواجدة في قواعد قريبة من العاصمة سيول وكان تعدادها حوالي17ألف جندي أمريكي. فكل بلد لا يراعي السَّيطرة الإمبريالية ويخالف شروط هيمنتها سيتسلط عليه عقوبات اقتصادية قاسية وتحت غطاء مجلس الأمن الدولي الذي تمتلك فيه أمريكا حقَّ النقض (الفيتو) والذي استعملته في إحباط قرارات دولية تدينها أو تدين حلفاءها كإسرائيل ودول حلف الناتو فواشنطن التي فرضت عقوبات على دول كالسُّودان والصومال وباكستان وإيران وسوريا والعراق وأنظمة دول إفريقية وفي أمريكا اللاتينية كنظام الراحل هوغو تشافيز تعقد اتفاقيات ثنائية مع دول كثيرة حول العالم ومنها تلك التي لها قواعد دائمة فيها كدول الخليج أو أفغانستان والمغرب أو دول أوروبا الشرقية والتي تنصُّ صراحة على عدم تعرض أيِّ جندي أمريكي أو أحد المسئولين المرتبطين بالأجهزة العسكرية والأمنية ك(جهاز المخابرات الخارجية) أوجهاز الشرطة الفيدرالية) للملاحقة القانونية أو المُحاكمات الجنائية في أي بلد يكونون فيه وحتى لو ارتكبوا جرائم ضدَّ مواطنين مدنيين أبرياء. فدولة العمّ سام التي لم توقِّع على ميثاق المحكمة-الجنائية الدولية أو ميثاق محكمة-الجزاء الدولية في روما ولكن رغم ذلك تستطيع مُحاكمة أي رئيس دولة أو مسئول بتهم ملفقة أو لا أساس لها من الصِّحة ويحرَّم على أي دولة عضو في الأمم المتحدة أو موقعة على ميثاق معاهدة جنيف4 مُحاكمة أي مسئول أمريكي بتهم الإرهاب. إذ حسب تصنيف لمُنظمات حقوقية ومراكز أبحاث أمريكية فإنَّ هناك10زعماء فيها ارتكبوا جرائم ضدَّ الإنسانية وجرائم حرب يستحقون عليها مُحاكمات كمجرمي حرب على غرار القادة النَّازيين في محاكم نوتمبرغ وعلى رأس هذه القائمة نجد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن-والأب والرئيس الديمقراطي بيل كلينتون و هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس نيكسون وكذلك مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد كلينتون وكذلك وزير الدِّفاع السَّابق دونالد رامسفيلد ونائب الرئيس الأمريكي جورج بوش ديك تشيني وبول وولفوويتز وكذلك كونداليزا رايس وريتشارد بيرل والملقب بأمير الظلام فرغم كل الجرائم والفظائع التي كانت بعلمهم وشاركوا في اتخاذ قرارات بالحرب على دول راح ضحيتها الآلاف من المدنيين الأبرياء وكذلك 45 ألف جندي أمريكي فإنَّ القانون الأمريكي الفيدرالي يحميهم من التَّعرض لأيِّ نوع من الملاحقات الجنائية على أراضي دول معادية وهذه السِّياسة الأمريكية المطبقة والتي لها رأسان هما العقوبات الاقتصادية والابتزاز الدَّولي عن طريق اتهام أنظمة كاملة بكل أجهزتها ومؤسساتها وهياكلها بدعم الإرهاب ولا تقف عند حدود الدُّول فقط. بل التاريخ الأمريكي حافل بأحداث ووقائع تأكد الانحياز الأمريكي الأعمى للمصالح الإستراتيجية والأمنية للدُّول الراعية للإرهاب على حساب المنظمات والحركات والثورات التحررية في العالم فمن حركة نمور التأميل إلى الثورة الكوبية والتي كانت بقيادة الرمز الراحل فيدال كاسترو إلى المنظمات الفلسطينية التي تناهض الاحتلال الإسرائيلي والذي ارتكب أبشع الممارسات التي لا تمتُّ إلى الإنسانية بصلة في الأراضي المحتلة وزوَّر تاريخ شعب ومنطقة بأكملها ولكن رغم ذلك تدعمه الولايات المتحدة الأمريكية بمليارات الدُّولارات سنوياً بل وتستخدم المنابر الدًّولية ومنظمة الأمم المتحدة كوسائل من أجل حمايته من أية ملاحقة قانونية أو جزائية ورغم أنَّ مجلس حقوق الإنسان الذي يعتبر أحد مؤسسات الأمم المتحدة الفاعلة قد اتخذ قراراً يقضي بإدانة الأعمال الوحشية لهذه الدَّولة ضدَّ المدنيين العزل في فلسطين المُحتلة والأراضي العربية المحتلة ك(الجولان السوري).ولكن بقيت قراراته مجرَّد حبر على ورق لأنَّ أمريكا التي تساند قتل أصحاب الأرض الأصليين وسحق المنظمات الجهادية في غزة لا يضيرها أن تدعم الإرهاب الأعمى حتىَّ ولو أدانته منظمات تتبع لأكبر هيئة قانونية عالمية وهي الأمم المتحدة ولم يقتصر الدَّور الأمريكي عند هذا الحدّ بل تجاوزه إلى تصنيف مكونات سياسيَّة وطائفية تعتبر وازنة في دولها ولها نواب في البرلمان ووزراء في الحكومة ووصمها بالإرهاب كحزب الله اللبناني الذي له شعبية واسعة وله تاريخ طويل في طرد الاحتلال الصُّهيوني من الأراضي العربية المُحتلة في جنوب لبنان وصدِّ العدوان الإسرائيلي المتواصل عبر اختراق الأجواء البحرية والبرية والتَّنسيق الاستخباراتي لضرب مناطق لبنانية ومنها العاصمة بيروت وزرع الخلايا الإرهابية وتمويلها. بل والضغط على الدُّول العربية التي تدور في فلكها وتأتمر بأوامر سادة البيت الأبيض وذلك لوضعه على لوائح الإرهاب الدولي. الإرهاب بأقنعة أخرى فأمريكا التي أثبتت تقارير دولية دعمها لمنظمات إرهابية كالقاعدة-وداعش وهذا ما أشارت إليه وزيرة الخارجية السَّابقة هيلاري كلينتون في جلسة استماع في الكونغرس الأمريكي العام المنصرم وقالت: بأنَّ على أمريكا أن تعترف بأنها من دعم ودرَّب وهندس فكر القاعدة الجهادي المُتطرف وهؤلاء المقاتلين الذين استخدمتهم لدحر السُّوفيت وبعد ذلك جعلت منهم أحد أذرعنا التدميرية والتي تستعمل خارجياً لتنفيذ عمليات إرهابية وفي أماكن ودول معيَّنة وتحت إشراف ضبَّاط جهاز المخابرات الأمريكية والغريب في الأمر أنَّ هناك مواقع أمريكية عدَّة وهذا ما ذكرته قناة آم تي اللبنانية والتي ربطت وأكّدت وجود علاقة وطيدة بين زعيم تنظيم داعش خليفة تنظيم القاعدة في العمل لصالح الاستخبارات الأمريكية والمسمَّى أبو بكر البغدادي وبين أجهزة الموساد الإسرائيلي وMA6 البريطاني CAI الأمريكي وهذا ربما ما يفسر الأخبار التي تداولاتها الصحافة الروسية وقناة روسيا اليوم من أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية تستعمل طائرات عمرها أكثر من50 عاماً أي من مُخلفات الحرب العالمية الثَّانية لقصف تنظيم داعش الإرهابي وهذا ما يفسر ربما لماذا؟ فشل التحالف الدولي بعد أكثر من عام ونصف في إنهاء وجود تنظيم داعش الإرهابي كلية في سوريا والعراق. فالسِّياسة الأمنية والدِّبلوماسية الأمريكية لها أكثر من وجه وتعمل على أكثر من صعيد فهي تستعمل الضغوط السِّياسية والعقوبات الاقتصادية وكذلك القانون الدولي المخصَّص لمكافحة الإرهاب كذرائع لتخلص ممن لا يساند غطرستها واحتلالها للدُّول بغير مبررات واقعية وعلى صعيد ثان فإنَّها تدعم الإرهاب الدَّولي حتىَّ وإن وضعت منظّماته الفاعلة على قائمة الإرهاب بل وتتخذه سلاح مساومة لفرض شروطها كما تفعل حالياً مع الرئيس السُّوري بشار الأسد وكما ستفعل مع دول كتونس أو ليبيا مستقبلاً.