تعرف ظاهرة تزويج البنت في سن مبكرة رواجا كبيرا داخل الوسط الاجتماعي المسيلي نتيجة عدة عوامل اجتماعية وعرفية وغيرها من العوامل المتداخلة فيما بينها والتي ساهمت بقسط كبير في انتشار هذه الظاهرة وطفوها على السطح. بعد التقصي عن مكان انتشار هذا الزواج تبين لنا أن الملاذ الآمن لها هو القرى الريفية المعزولة والتي تمتاز بطابعها الرعوي وسيادة الأعراف في تسيير شؤون الحياة لديهم، وتبين أن محيط الظاهرة يقع في مثلث خلافيل بأولاد دراج والحمايد بأولاد عدي لقبالة وبوحمادو بالسوامع وكلها قرى معزولة لم تعرفها التنمية بتاتا، كنا قد أخذنا معنا أحد العارفين بالمنطقة وهو عبد الحفيظ م، والذي نصحنا بعدم الكشف عن هويتنا الحقيقية لكي لانتعرض إلى متاعب ومضايقات خصوصا إذا تعلق الأمر بالأمور الشخصية والتي تعد من بين الخطوط الحمراء التي لايمكن لأي كان أن يخوض فيها. حددنا يوم الخميس كموعد للذهاب إلى خلافيل بأولاد دراج وكان لدينا علم بأن هناك فتاة دون الخامسة عشرة ستزف هذا الخميس وهو الذي وقع وحدث بالفعل، وتبين لنا من خلال كلامنا مع أحد أبناء المنطقة وهو إطار جامعي رفض ذكر اسمه أن هذا الزواج هو الرابع من نوعه في ظرف شهر كامل بالمنطقة، وأن الصائفة الماضية عرفت أعلى نسبة زواج بالمنطقة. غادرنا المنطقة متوجهين إلى دوار الحمايد بأولاد عدي القبالة هذا الدوار الذي يقع فوق سفح جبل، فقطعنا تلك التضاريس الوعرة أملاً في الحصول على نتيجة لكن سرعان ما دخلنا إلى القرية ووجدنا أنفسنا كالغرباءأمام النظرات التي ترمقنا هنا وهناك، حاولنا التحدث مع أحدهم وهو شاب في العشرينيات لكن دون جدوى فأدركنا أننا لن نحصل على أي نتيجة تذكر، فغادرنا الحمايد متجهين جنوبا صوب بوحمادو بالسوامع، حيث وجدنا مجموعة من الأعراس المقامة هناك فدعينا إلى تناول الطعام الذي كان على وقع البارود والخيل فاغتنمنا الفرصة وحاولنا أن ندردش مع أحد الشيوخ بالمنطقة لكنه سرعان ما يغير الحديث بطريقة ديبلوماسية، والشيء الذي لمسناه من كلامه أن البنت مكانها بيت زوجها سواء اليوم أو غدا وأضاف: »الباب اللي جيك منو الريح سدو واستريح« ومن ثم غادرنا بوحمادو عائدين إلى بيوتنا. من خلال جولتنا الميدانية بالقرى سالفة الذكر تبين أن هناك عوامل اجتماعية وثقافية وعوامل أخرى متراكمة فيما بينها أسست لظهور هذه الظاهرة على السطح وتغلغلها بين أوساط المجتمع القروي خصوصا، وأول هذه العوامل هي الأعراف المسيرة للشؤون الأسرية، فالاعتقاد السائد بأن تزويج البنت مبكرا يعطي لها قابلية كبرى واستعدادا لمجابهة الصعاب المستقبلية لكن السبب الحقيقي الذي وقفنا عليه وهو الخوف على الفتاة من العنوسة والتي وجدناها متفشية بكثرة بالمنطقة خصوصا بالحمايد بأولاد عدي لقبالة، والسبب الثاني هو الوضعية الاجتماعية المزرية التي يعيشها أهالي القرى الريفية، حيث يعتمدون في كسب قوتهم على الفلاحة المنزلية وعلى مساحات صغيرة وهو الأمر الذي دفع بالعديد من الآباء إلى محاولة تخفيف الأعباء اليومية بتزويج بناتهم بهذه الصورة، والأمر الآخر هو طغيان سلطة الجماعة في اتخاذ القرارات بشتى أنواعها ورغم ما لهذا العنصر من إيجابية إلا أنه ظلمٌ الفتاة بشكل كبير وسلبها حقها في اتخاذ القرارات المناسبة، يضاف إلى ذلك كله حرمانها من التعليم بحيث لا تتعدى المرحلة الابتدائية وهو مؤشر يوحي بغياب الثقافة لدى الآباء والبنات على وجه الخصوص وهنا ينظر إلى البنت على أنها من الحرمات التي لا يجب أن تنكشف أو ترى للعيان. أمر آخر وهو غياب عقود الزواج باعتبار أن القاصر لا تتحصل على هذه الوثيقة إلا في سن ال18، وفقا للقانون، ما يعني أن الزواج يتم بطريقة عرفية وبالفاتحة فقط، في انتظار توثيقه حينما تبلغ البنت سن ال18، وهو ما قد يجر مشاكل كبيرة سواءً أثناء الطلاق قبل بلوغ السن القانونية أو إنجاب الأطفال.