قبل فترة صرّح وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير بأن العلاقات الفرنسية الجزائرية ستتحسّن بعد رحيل جيل الثورة في الجزائر، وفُهم تصريحه يومها على أن باريس لا ترى أمامها فرصة ل "تطبيع علاقاتها" مع الجزائر إلاّ برحيل الجيل الذي حاربها بالسلاح، وأنها مازالت غير مستعدّة للاعتراف بجرائمها في الجزائر والاعتذار عنها وتعويض ضحاياها· وقد كانت ردود الفعل الجزائرية العفوية على ذلك التصريح قوية، إلى درجة أن صاحبها قال إننا أسأنا فهم تصريحاته، ومازال الجزائريون يثبتون يوما بعد يوم أن مشكلة فرنسا ليست مع الجيل الثوري فقط، بل مع كلّ الأجيال، وأن شباب الجزائر اليوم رغم عدم معايشتهم لجرائم فرنسا، فهم غير مستعدّين لمسامحتها على ما فعلت في آبائهم وأجدادهم، فمشكلة فرنسا مع الجزائريين جميعا وليست مع مفجري ثورة نوفمبر 1954 وحدهم· وحين نتأمّل عدد وطبيعة النشاطات المنظّمة بمناسبة ذكرى مجازر 8 ماي 1945، التي يقول السيّد خير الدين بوخريصة رئيس الجمعية المسمّاة باسم المناسبة الأليمة إنها خلّفت ما لا يقلّ عن ستّين ألف شهيد جزائري، نشعر بأن أجيال الاستقلال لم تنس ما فعلته فرنسا بأجيال الاستعمار، وندرك أن كوشنير على خطأ إذا تصوّر أن رحيل المجاهدين من هذه الحياة يعني فتح صفحة جديدة في سجّل العلاقات بين الجزائروفرنسا· وحين ينظّم الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين مثلا ملتقى اليوم بغرداية بمناسبة ذكرى المجازر تحت شعار "التواصل بين جيل الثورة وجيل الاستقلال"، فإن شباب الجزائر يوجّهون رسالة مباشرة، لا لبس فيها لكوشنير وساركوزي وأمثالهما من ساسة باريس الذين لا يكتفون برفض الاعتراف بجرائم فرنسا الاستعمارية والاعتذار عنها، بل يذهبون أبعد من ذلك حين يتحدّثون بكلّ وقاحة عن ما يسمّونه بدور إيجابي للوجود الفرنسي بشمال إفريقيا·