قسنطينة لعمي حمو هي الأصالة مدينة الوالدين والأخوال فيها تربى وترعرع تعلم تعلمه الأول في مساجدها ومدارسها في جامعتها نهل من أكبر وأعرق الأساتذة زوجته وشريكة حياته من هذه المدينة العريقة عراقة أهلها وأصالتهم لكن الظروف بعد ذلك مشت عكس ما تمناه وتوقعه عمي حمو الذي قرر الهجرة لبلد الجن والملائكة للعمل والإسترزاق ومنذ ذلك اليوم لم يتمتع برائحة المدينة وجُسورها المُعلقة لذا قرر كسر الروتين والحجر الصحي والخروج في نُزهة طويلة للمدينة إستيقظ باكرا اليوم على غير عادته وبدأ في تنفيذ خُطته بالمشي لمسافة أ ربع ساعات للوُصول إلى قلب سيرتا التي تألم كثيرا لرؤيتها فارغة وصامتة تأمل كل شارع فيها وبكى عليه وتمنى لو أنه لم يعش هذا اليوم. لم يستسلم وواصل سيره لسوق العصر الذي وجده شبه فارغ حتى أن الطريق إليه كانت مُوحشة ومُخيفة لأول مرة يخاف عمي حمو وهو الشُجاع القوي تمنى لو أنه يجد الصُحبة القديمة والجيران ليسألهم عن أحوالهم لكن للأسف لا أحد كان موجودا في ذلك الصباح إلا هو نظر يمينا وشمالا وصرخ صرخة طلب فيها من الجميع الاستيقاظ والحركة لأن فيها بركة عمي حمو الرجل الستيني للذي لا يعرفه يظنه مجنون لكن الحقيقة أنه اعقل الناس وأطيبهم بشهادة الجميع ربما الظروف التي أتى فيها للمدينة هي من قلبت كل الموازين وأخلطت الحابل بالنابل. الساعة تشير إلى السادسة مساء والجميع يبحث عن عمي حمو كل أبنائه وجيرانه يسألون عنه وقلقون عليه فالرجل لم يزر المدينة منذ مدة طويلة وهم في بحثهم إذ بعمي حمو يظهر من بعيد لم يُجبهم ودخل مُباشرة للبيت لإخبار خالتي فاطمة عن مُغامرته اليوم في المدينة حكى لها كيف أنه ولأول مرة تمتع بمناظر قسنطينة وحزن لمنظرها الباهت بسبب هذا الحجر حدثها عن وليد القسنطيني الشاب الذي وجده نائما في العراء بالقرب من بيتهم القديم وكيف أنه أخذه معه في جولة في المدينة. تعجبت خالتي فاطمة من زوجها ومن جهله وهو المُثقف المُتعلم ولامته على هذه الخُطوة وطلبت منه التعقل ووضع رجليه في الأرض والكف عن هذه التُرهات الصبيانية طلبت منه الحجر في غُرفته لمدة أ ربعة عشر يوما للتأكد من خُلُوه من وباء الكُورونا وطبعا كالعادة إنتهى حديثُهما بالصُراخ والشجار ورفض تناول الطعام فعمي حمو لم يتقبل طريقة كلام زوجته المُستفز وهي لم تعد تتحمل تصرُفاته الغريبة ونحن نقول يا عمي حمو الباب اللي يجيك منو الريح سدو وأستريح .