بقلم: فايز رشيد* العنف مكروه أيّا كانت أسبابه وأيّاً كان مرتكبه فكيف به إن كان متوحّشاً؟ نقول ذلك من تداعيات الجريمة البشعة التي هزّت الأردن مؤخرا في مدينة الزرقاء. من حقنا التساؤل: هل أصبح العنف ظاهرةً في مجتمعاتنا والمفترض أن تكون محصّنة بأديانها وقِيمها وعاداتها وتقاليدها. الجرائم البشعة والخارجة عن المألوف تحدث في كلّ مكان وزمان فالعنف ليس تعبيرا فقط عن العنف الجسدي فهناك الإيذاء النفسي واللفظي ولكل منها أسبابه. من هنا يتوجب الحرص على تربية الأطفال في الأسرة وفي كلّ المراحل العمرية والدراسية لتنمية الجوانب القيمية الإيجابية الأصيلة في عقولهم. فلا يجوز تخويفهم أو إيذاؤهم! وكثيرا ما يؤدي الضرب والشتم والتحقير من قبل ربّ العائلة بالمعنّف لإيجاد البدائل خارج الأسرة وهنا يكمن الخطر في إمكانية وقوعه بين أيدي العصابات والأشرار والخارجين عن القانون والقيم المجتمعية الأصيلة. هذا بالطبع يتكامل مع دور المجتمع وحكومات الدول في تنمية الجوانب التربوية أولا وفي أهمية تغليظ قوانين العقوبات الحكومية ضد المجرمين إضافة إلى خطوات كثيرة أخرى على المعنيين اتخاذها تجاه مجتمعاتهم خاصة الشباب فيه: كالقضاء على البطالة وإتاحة المزيد من الفرص الوظيفية للخريجين وللثقافة أيضاً بفروعها المختلفة دورها وللإعلام دور مهم خاص عن طريق بث برامج تحث على أهمية احترام الآخر وتنمية روح المبادرة والإيثار والحث على العمل التطوعي والإنساني الفاعل والمؤثّر. أيضاً من الأهمية بث البرامج التي تعمل على تنمية روح التفكير والإبداع لدى جيل الشباب الذي يمثّل الشريحة الأكبر والأوسع في غالبية مجتمعاتنا العربية. تماماً كما بث أفلام ومسلسلات مدروسة جيّداً بما يتضمن اطّلاع مختصين في التربية وعلم الاجتماع وعلم النفس على مضامينها ومحاولة تلمّس تأثيراتها المجتمعية خاصة المستقبلية على الأجيال القادمة. أقول ذلك لأن هناك برامج لا تراعي القيم الأخلاقية لمجتمعاتنا العربية والإسلامية المبنية أساسا على المساواة والعدالة والنبل والأصالة.. برامج تمجّد العائلة والذات والعشائر والعصبية والإقليمية. كما تلعب الفوارق الفردية بين طبقات المجتمع دوراً (قد لا يكون مباشراً) في ممارسة العنف لدى البعض عندما تولّد شعوراً وإحساساً بالحرمان في نفوسهم تماما كما الرزق الذي هو مقدّر من عند الله سبحانه وتعالى لكلّ إنسان. هذا التفاوت الطبقي قد يسبب لهؤلاء المنحرفين والمجرمين العنفيين الشعور بالغضب على من هم أفضل منهم وضعاً مالياً ما يدفعهم بطريقة ما للتعبير عن النقص الذي يشعرون به بطريقة مختلفة عما هو متعارف عليه من تقاليد مجتمعية. إن من أسباب العنف أيضا: النفاق والرّياء فهما آفتان خطيرتان تماما كما هي العصبية الشوفينية العشائرية الإقليمية. هذه كلها في صميمها ودلالاتها من أكبر الأسباب التي أودت ببعض الشباب المنحرفين إلى طرق تحيد عن جادة الصواب. بالطبع لا ندعو لتخلي المرء عن عائلته وعشيرته وقبيلته فالاحترام مطلوب وواجب لكن بعيدا عن النزق والحمية والجاهلية. لا ننكر أيضاً الأسباب والدوافع الأخرى ومنها السياسية فالتحيّز لزعيم أو لحزب أو غير ذلك قد تؤدي للوقوف إلى جانب صاحب القرار مهما كان رأيه. أيضا وقوع الظلم على بعض الأشخاص يجعلهم أكثر عنفاً وعدواناً. لكلّ ذلك يتوجّب العمل على زيادة الوعي الديني والأخلاقي والتربوي والتعريف بحقوق الطفل وواجبات المربّين من خلال تنظيم محاضرات وندوات توعوية مختصة لمعرفة الأسباب وطرق العلاج من الآفات المجتمعية.. ويتوجّب أيضاً إجراء بحوث لوضع الحلول لمشكلة تعاني منها بعض دولنا وهي تسرب الأطفال من المدارس أو ظاهرة عدم إدخالهم إليها. كما يتوجب إيجاد وسائل الترفيه السليم والنافع وبحد معقول للأطفال والشباب. مثلما هو تعزيز الحريات السياسية للابتعاد عن حالات الكبت السياسي التي قد تظهر في صور سلبية متعددة من بينها: الاعتداء على الآخرين كما وضع برامج تثقيفية موجهة للمقبلين على الزواج تماما مثلما هو التركيز على مهارات حلّ المشاكل الأسرية عبر الحوار والتفاهم. ومن واجب الحكومات استمرارية محاربة المنحرفين والمجرمين والخارجين عن القوانين المرعيّة والصوابية المجتمعي وإشباع احتياجات الأسرة النفسية والاجتماعية والسلوكية والمادية وتحاشي كافة الأسباب الموصلة إلى العنف الأسري. والعمل على أن تكون بيئة المدارس خالية من العنف مثلما العمل على تكوين مؤسسات تهتم بشؤون الأسرة ومحاولة توفير أماكن للعنيفين الذين لا يقبل أهاليهم بعودتهم إليهم فبعض الأهل يرفضون احتواءهم بعد ممارساتهم للعنف والإجرام بمختلف أشكاله. من المهم أيضاً توفير أماكن للمتعرضين للعنف لتحسين أحوالهم النفسية. كما يتوجب التزام كافة الجهات المتعاملة مع حالات العنف الأسري بتوفير الحماية والرفق والخصوصية للضحايا.