في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ -الجزء الثامن والعشرين- بقلم: الطيب بن إبراهيم
*نظام العمل بالإرسالية تميزت إرسالية إخوة يسوع الصغار وهي عبارة عن مجموعة من الرهبان المسيحيين المقيمين بمدينة الأبيض بالإضافة لعدد من الطلبة المتكونين تميزت بنظام عمل صارم يخضع له أعضاؤها في عملهم وفي لباسهم وأكلهم وشربهم وفي نومهم ويقظتهم وأثناء قراءتهم وفي طريقة تعاملهم مع بعضهم البعض وفي تحركهم وعلاقتهم بعالمهم الخارجي مع السكان. فلا يسمح لمنتسبي الإرسالية بأي تهاون أو تقصير وأول ما كان يتعرف عليه المبتدئون من طلبة ومتكونين عند وصولهم إلى إرسالية الأبيض سيدي الشيخ هو تعلم قواعد الصحراء كما يقول رئيس الإرسالية بمعنى أن سكان بدو الصحراء يتمسكون بعادات وتقاليد محلية لا يتنازلون عنها وهم محافظون أكثر من غيرهم فعلى الضيوف التعرف على أسس التعامل مع واقعهم الجديد والتحلي ب الحكمة . *توقيت العمل كان إخوة الإرسالية وطلبتها يعيشون في خلوتهم في عزلة وصمت حسب قواعد مرجعهم الروحي شارل دي فوكو فالانضباط هو الذي يحكم تحركهم اليومي منذ يقظتهم صباحا إلى غاية نومهم مساء وأهم محطات عملهم اليومي شتاء بعد يقظتهم على الساعة 5 30 صباحا تبدأ بأداء الصلاة على الساعة 6 25 يليها تناول طعام الفطور على الساعة 8 صباحا وعلى الساعة 8 10 يتوزَّعون على الأشغال وعلى الساعة 12 زوالا يحين وقت تناول طعام الغداء ثم أداء الصلاة على الساعة 12 30 ليبدأ العمل المسائي على الساعة 13 15 ثم الصلاة على الساعة 15 ليتواصل العمل بعدها على الساعة 15 15 ثم الصلاة على الساعة 17 55 وعلى الساعة 18 30 وقت تناول طعام العشاء وعلى الساعة 19 الاستماع لشرح الكتاب المقدس وأخيرا النوم على الساعة 20 مساء. بالإضافة إلى ذلك فُرِض على جميع أعضاء الإرسالية تعلم اللغة العربية لساعة واحدة يوميا. *الصرامة والانضباط كان الإخوان المتكونون يخضعون لانضباط ولنظام صارم يُلزم كل نزلاء الإرسالية في كل تصرفاتهم ونظام عملهم وذلك يعود أولا لمهامهم الدينية وهي أولوية الأوليات. فهم رهبان ورجال دين في مهام مقدسة يضرب بهم المثل في الزهد والتقشف والعبادة والتضحية من أجل الآخرين كما كان يفعل شيخهم راهب الصحراء شارل دي فوكو ومن أوجه الزهد الامتناع عن أكل اللحم والسمك في بداية تأسيس الإرسالية سنة 1933 ولم يبدؤوا بأكل اللحم إلا بتاريخ 3 يناير سنة 1936 بعد أن قرّر مجلس الإرسالية ذلك ثم تقرر فيما بعد أكل الجبن والحليب والسمك وتم منع المشروبات الكحولية. أما نظام التعامل فيما بين الطلبة داخل الإرسالية فكان صارما لا يتكلمون مع بعضهم البعض دون إذن من معلمهم وإذا تكلموا لا يكون ذلك إلا سِرّا داخل الغرف وإذا سأل احدهم الآخر تكون الإجابة باختصار شديد وكذلك الانضباط والصرامة داخل الإرسالية في العمل والحركة والأكل والشرب والحديث والنوم ويوجد في غرفة كل واحد من نزلاء الإرسالية صورة للقلب المقدس وصليب ولا يسمح بأي صورة فوتوغرافية أو عائلية تعلق داخل الغرف. *النظام خارج الإرسالية أما خارج مقر الإرسالية وأمام السكان في المدينة فهم في ساحة المعركة وميدان القيام بالرسالة فالصرامة والانضباط أكثر ولا يسمح بارتكاب أي خطأ أو هفوة أمام السكان الذين ينظرون لتصرفات الرهبان بملاحظات دقيقة فالقساوسة والرهبان هم رجال رسالة وعليهم أن يكونوا قدوة لمستضيفيهم العرب المسلمين وان تكون تصرفاتهم وسلوكاتهم ومظاهرهم هي جزء من تلك الرسالة ويضرب بهم المثل. وأول ما كان يتعلمه الطلبة الجدد المتكونون هو معرفة قواعد الصحراء العادات والتقاليد خاصة الدينية وما يجب عمله وما لا يجب عمله من وجهة نظر السكان. وفي حالة رغبة أحد رجال الإرسالية بالخروج للتجول بالمدينة له أن يقدم طلبا لذلك ولا يسمح له بالخروج إلا مرة واحدة في الشهر خارج الخروج النظامي وفي حالة خروجه في فصل الصيف هو مطالب بوضع المِظل على رأسه كما يفعل السكان وشتاء عليه وضع الشاش على رأسه وهذا ضروري خارج المقر أمام السكان بينما يسمح لهم بنزع المظل والشاش داخل الإرسالية لكن ذلك ضروري حتى داخل الارسالية في حالة وجود احد من السكان العرب في زيارة لهم وأثناء الخروج من مقر الإرسالية يمنع على المنتسبين لها الوقوف أو الحديث مع أي إمرة أو عدة نساء في الشارع كما يمنع على المنتسبين داخل محيط الإرسالية وخارجها التدخين والتبغ. وبالنسبة لمدينة سيد الشيخ على الإخوة أن يظهروا وكأنهم أكثر حبا لسيد الشيخ من أبنائه ومريديه وان لا يدق جرس كنيستهم في مدينته وبجواره حتى لا يثير ذلك ردود فعل السكان ويسمح للإخوة بالخروج خارج مقرهم جماعات وخلال كل خمسة عشر يوما فقط حتى لا يكثروا من الحركة وإثارة الشبهة ومن أوجه الانضباط والصرامة انه لا يسمح للنساء بالدخول داخل سياج الإرسالية. وفيما يخص الملابس المحلية للسكان فقد قلدهم الإخوة في ذلك بارتداء العباءة والبرنوس والشاش خارج مبنى الإرسالية مع الحفاظ على مظاهرهم الغربية داخل مبنى الإرسالية فعلى الجميع احترام تقاليد المنطقة وسكانها ذوي الطابع البدوي والعمل لإرضائهم وليس لإثارتهم وعلى الرهبان أن يعيشوا مع السكان ومثل السكان وهذا هو شعار لسان حالهم.