بمناسبة عيدي الاستقلال والشباب، نظم المركز الثقافي الإسلامي عبد الحميد بن باديس، بالجزائر العاصمة، محاضرة تحت عنوان (ذكرى عيد الاستقلال، دروس وعبر) من تقديم الأستاذ عامر خيلة الحاصل على درجة دكتوراه دولة في القانون ومحام معتمد لدى المحكمة العليا، وهو في نفس الوقت باحث في التاريخ الجزائري· كانت المحاضرة شيقة جدا، وذلك للأسلوب المميز الذي قدم به الأستاذ محاضرته، فكانت المعلومات التي سردها واضحة وراسخة في أذهان الحاضرين بمختلف مستوياتهم وأعمارهم، ولقد بدأ محاضرته بإعطاء نبذة شاملة عن الوضع السائد قبيل الاستقلال وتحديدا ما بين فترة 1961 - 1962، فقام بوصف تحليلي لأوضاع الجزائريين في هذه الحقبة، كوضعهم الاجتماعي وخاصة لما خلفه الإستعمار في حياتهم وآثاره السلبية عليهم التي تعمدها من خلال خطط التدمير وعدم السماح لهم بممارسة حقوقهم الطبيعية منذ دخوله في 1830-1961 بل حتى آخر لحظة من طرده من الجزائر، فكان الفقر الذي مس جميع الشعب والذي أدى إلى المجاعة في بعض المناطق الريفية، وأيضا ظاهرة الأمية التي كانت منتشرة بشكل كبير بين أفراد الشعب بكل أطيافه وفي القرى كما في المدن، حيث كانت تشكل 90 بالمائة، أما 10 بالمائة الباقية المتعلمة فهي إما حالفها الحظ وواصلت التعليم حتى الثانوية، أو هناك من أكمل دراسته بالهرب عبر الحدود لتونس ثم لبلدان أخرى عربية، وهناك البعض منهم من كانت له علاقات مع بعض القادة الفرنسيين فسمحت له هذه الصلات بإكمال التعلم سواء في الجزائر أو بالسفر إلى الخارج، ولما خرجت فرنسا من الجزائر لم تترك إلا 358 طبيب، 304 محام وموثق واحد لكل الجزائر، فكان التحدي كبير لجيل الاستقلال والثوار الذين حرروا أرضهم· كما تحدث الأستاذ خيلة عن استعداد الأوروبيين والفرنسيين بشكل خاص لمغادرة الجزائر، وأيضا هجرة اليهود اللذين كان لأغلبهم موقفهم مخزي من الثورة الجزائرية، بل إنهم أيدوا الاستعمار في سياسة قمعه للشعب وسلبه لحقوقه وأرضه، لذلك هرب معظمهم مع الأوروبيين العائدين إلى ديارهم، إذ كانوا خائفين من انتقام الجزائريين منهم بعد الاستقلال، مع أن هناك من بقي منهم في الجزائر محايدا وعاش في فترة الاستقلال ومات ودفن في أرض الجزائر رغم مواقفه من الثورة· وقد أشار المحاضر إلى المفاوضات التي جرت ما بين جبهة التحرير والفرنسيين والذين أجبروا للجلوس على طاولة المفاوضات بعد التفوق الميداني للجزائريين عليهم، هذه المفاوضات التي أحسن فيها الساسة الجزائريون أمثال خيضر، بوضياف، إحكام قبضتهم على جلسات المفاوضات باستعمال كل الأساليب السياسية الدولية في الأخذ والرد حتى جلبوا حقهم من المغتصب بكل ذكاء وفطنة لم يتخيلها حتى الفرنسيون، ولم يسمحوا لهم بانتزاع ولو شبر من أرضهم خاصة صحراء الجزائر التي أصر المستعمر على الاحتفاظ بها لعلمه بثرواتها، لكن الساسة المحنكين وقفوا له بالمرصاد، وفي 3 جويلية 1962 أعلن ديغول للفرنسيين انتهاء الاحتلال في الجزائر، واختار الجزائريون 5 جويلية 1962 كموعد للحرية بعد أن كان 5 جويلية 1830 موعدا للاستسلام وبداية رحلة العذاب الطويلة مع المستعمر الفرنسي· ثم ختم الأستاذ محاضرته بسؤال مفتوح فيما معناه أن الاستعمار دخل الجزائر فحرق وشرد وقتل، لكن الجزائريين بدورهم لم يستسلموا ولم يتركوه ينل منهم، فكانوا من أول لحظة مقاومين ومجاهدين ومروا بكل المراحل وصولا إلى ثورة 54 التي حسمت مصير المستدمر في الجزائر، لكن السؤال هو ماذا قدم الجزائريون لوطنهم بعد الاستقلال، ما هي تضحياتهم مقارنة بأجدادهم البواسل !؟ في جانب آخر قالت مصلحة النشاط الثقافي ل"(خبار اليوم) أن المركز الثقافي الإسلامي سينظم العديد من المحاضرات والندوات الفكرية خلال شهر رمضان المقبل الموافق لشهر أوت، كما ستبقى أبواب المركز مفتوحة طيلة الصيف للجميع وللمنخرطين فيها خاصة الطلبة الجامعيين للتحضير لامتحانات الاستدراك·