يبدو أن مظاهر الرحمة بين المسافرين قد غابت في الوقت الحالي بدليل امتناع الكثيرين عن ترك المكان للعجزة والمسنين والنسوة بعد أن تجردوا من الشهامة ومكارم الأخلاق، وصارت الأنانية وحب الذات واللامبالاة السمات الشائعة بينهم، هو ما لاحظه الجميع على مستوى وسائل النقل التي باتت تحمل العديد من السلوكات التي لا يتقبلها عاقل، وفيما غابت الرحمة بين أبناء الوطن الواحد، راح بعض الأجانب يحلون محلهم ويرسخونها بينهم بدليل قيامهم بسلوكات شجاعة وهم على مستوى وسائل النقل تبين تقدمهم وحضارتهم العالية، على الرغم من ابتعادهم عن الدين الإسلامي الحنيف في الوقت الذي لم يشرِّفه بعض المنتمين إليه. فليس من شيم الإسلام أن يجلس شاب أو فتاة في أوج مراحل عطائهما وتمكث العجوز المسنة أو الشيخ العاجز واقفا قبالة هؤلاء دون أن يحركوا ساكنا، بل تجرؤوا حتى على الامتناع عن الوقوف لهم رغم ترجّيهم في العديد من المرات، ذلك ما وضحه احد الشيوخ الذي صادفه موقف مماثل على مستوى حافلة النقل والأسوأ ما في الأمر انه صدر من فتاة فبعد إن طلب منها أن تترك له المكان خاصة وانه يعاني من عجز وآلام حادة على مستوى الظهر، لم تأبه به وردت رافضة بذريعة أنها هي الأخرى مريضة على الرغم من عدم ظهور أعراض المرض عليها، فما كان عليه إلا الوقوف مذهولا والدهشة تملأه من تصرف الفتاة. مما يؤكد أن ظاهرة الامتناع عن ترك الأماكن طاغية بوسائل نقلنا واشتكى منها الجميع خاصة وإنها تعرف منحا تصاعديا سنة بعد أخرى لذلك وجب التطرق إلى مثل تلك السلوكات التي لم نعهدها في مجتمعنا، من اجل مناقشتها وتحليلها خاصة وأنها تعكس تدهور أخلاق منتهجيها، ولا تزال فئات قليلة ممن تلتزم بمنح الأمكنة للعجزة والنسوة على مستوى حافلات النقل، الأمر الذي أدى إلى تحرك الأجانب سعيا منهم في إعادة ترسيخ السلوك، فلربما لاحظوا هم كذلك غيابه. وهو الموقف الذي حصل لإحدى الفتيات مؤخرا فبعد أن كانت واقفة بإحدى حافلات النقل الخاص بمحاذاة شخصين أجنبيين الظاهر أنهما من دولة افريقية كونهما سوداوي البشرة واختلاف اللهجة التي كانا ينطقان بها، بحيث راح احدهما يسرع لترك المكان لها إلا أنها امتنعت عن ذلك وقالت انه كان من الأولى أن ينهض لها أحدُ أبناء وطنها لا أن يترك لها شخص أجنبي المكان، كما استعصى عليها الجلوس بمحاذاة شخص أجنبي، فلو كان حتى الجلوس بمحاذاة شخص من الوطن يفرز مشاكل أحيانا فما بالنا الجلوس بمحاذاة أشخاص أجانب لا نعرف أصلهم من فصلهم، وعبر احد الشيوخ عن دهشته من الوضع الذي آل إليه بعض الشبان بل اغلبهم بدليل غياب الأنفة وروح المسؤولية عنهم، وهي التي بقت مترسخة بعقول وقلوب الشيوخ الذين يتهافتون على ترك الأمكنة للفتيات والنسوة على الرغم من عجزهم ومرضهم وعدم قدرتهم على حفظ توازنهم على متن وسائل النقل.