لا شك أنّ الأعراس هي مناسبة فرح واحتفال ولا مكان فيها إلاّ للحب والالتقاء، وحتى التعارف والتآزر، بين أفراد العائلة وبين الأقارب وحتى بين أبناء الحي، وفيما ينسى البعض، وفي تلك الليلة تحديدا كلّ همومه ومشاغله وكل الأفكار السيئة التي من شأنها أن تفسد اللمّة، فإن البعض الآخر، وبالعكس من ذلك، يعتبرها فرصة لتصفية الحسابات والأحقاد العالقة. البعض لا يعتبر العرس مناسبة للفرح بقدر ما هو فرصة للانتقام من العريس أو العروس أو حتى فردا آخر من أفراد الأسرة، فلا شيء أبشع ولا أشفى للغليل من تحويل الفرح إلى مأساة أو التنكيد على الأقل على العروسين وهو ما يفعله بعض الحاقدين الذين لم يجدوا من طريقة أخرى إلاّ تلك، أو ربما وجدوا أنها الأنجع فاتخذوها. حوادث متكررة لأشخاص انتقموا من أصدقاء وصديقات وأقارب لهم عبر مقاطعة وتخريب العرس، ونبدأها من ذلك العرس الذي شهدناه في حي عاصمي نتحفظ عن ذكره، حيث كان كل شيء يسير على ما يرام إلى أن نشب شجار بين أهلي العروس، ولم يكن ذلك ليحدث لولا أن فتاة من بين الحضور تسللت ومنذ بداية العرس وراحت تنفث سمومها وتصنع الفرقة بين أهل العروس وأهل العريس، فراحت تزرع العداوة وتنشر أقوالاً بعضها صحيحة وأكثرها خاطئة، حتى تدمر وتفسد العرس. وسبب حقد الفتاة على صاحبة العرس هو أنها كانت تريد الزواج بالعريس، وكانت العروس صديقتها قد استطاعت أن تستميله إليها، وتجعله يتزوجها دون الأخرى، ورغم أن هذه القصة تعود إلى أكثر من خمس سنوات، إلاّ أنّ الفتاة لم تنسها، وزاد من ألمها أنها لم تحض بزوج ولم تستمر علاقاتها العاطفية ولم تنجح أية واحدة منها، ما جعلها تقرر الانتقام من صديقتها، فاختارت ليلة عرسها لتفعل، ربما فكرت أنها بهذه الطريقة لن تنتقم لنفسها فحسب بل ستتمكن من استعادة العريس، فاتجهت إلى أهل صديقتها وراحت تخبرهم أسرار العريس وراحت تضخم في نظرهم مساوئه، ثم فعلت نفس الشيء مع أهل العريس وهذا إلى أن تمكنت من خلق شجار من لا شيء، واتخذ الجميع موقفا من المشهد، حتى أنّ البعض من أهله وأهلها دعا إلى إبطال العرس تماما، ولكن ذلك وعلى عكس ما توقعته الفتاة الفتانة لم يحدث، وكان أن تصالح الجميع أو على الأقل هدأت الأمور بينهما إلى حين. وإذا كانت تلك الفتاة قد أرادت إفساد العرس بسبب ما فعله بها العريس سابقا، فإن غيرها، ولأتفه الأسباب يفعلن ذلك، ومنهن »س« والتي حقدت على ابنة عمها لأنها رفضت أن تقرضها بعض الحلي، وهو أمر بسيط، لولا أنّ »س« ضخمته، وقررت بالتالي أن تفسد على ابنة عمها عرسها، فقامت بإفشاء سر كانت قد ائتمنتها عليه قبل سنوات، واختارت ليلة الزفاف لتفعل، فلم يكن من العريس إلاّ أنّ سأل زوجته ليكتشف الحقيقة، ويقرر بالتالي أن يلغي كل شيء، ولم يمر الأمر بسلام فقد تشاجرت العائلتان واندلعت بينهما عداوة كبيرة ووصل الأمر إلى حد التعارك بالأيدي، بل واستعمال الأسلحة البيضاء ولم تكتمل تلك الليلة إلاّ بتدخل بعض العقلاء الذين فضوا الجموع. كما أنّ البعض لا يحاول إفساد العرس، إلاّ أنه وبالمقابل يقاطعه فيقاطع الأخ عرس أخاه تعبيرا له عن استيائه منه، وتقاطع الفتاة عرس ابنة عمها أو خالتها، لأنها تشاجرت معها أياما قبل العرس، وتوجد حتى الأمهات اللائي يقاطعن عرس بناتهن والآباء الذين يفعلون نفس الشيء، ورغم أن الأسباب تختلف بعضها مقنع وآخر يبقى بسيطاً لا يستحق حتى العتاب، إلاّ أنّ النتيجة واحدة وقاسية على الشخص الذي سيتزوج والذي لن يكون في وضع محرج وهو يرى فرداً من أفراد أسرته يغيب عن عرسه فقط، بل إنه سيضطر إلى اختلاق أعذار وأكاذيب للحضور الذين سيلاحظون ويتساءلون، وربما يختلقون قصصاً ويتكهنون بأمور تكون أخطر من مجرد خلاف، وخاصّة بالنسبة لأهل الطرف الآخر، وتتعدَّد الأسباب التي تجعل البعض يقاطع حفل زفاف أقاربه وأفراد من أسرته، بعضها قديمة تعود إلى أشهر وربما سنوات، وأخرى تحدث قبل العرس بأيام وليالي، وتجعل البعض، وفي لحظة غضب، يقررون ذلك القرار بالمقاطعة ولو أنهم فكروا مليا لما فعلوا، إلاّ أنهم تركوا أنفسهم الضعيفة تتحكَّم فيهم.