قبل أيّام، كان جلّ ما يستطيع الخطيبان نزار وأحلام التميمي، اللذان يقضيان عقوبة السجن المؤبّد في المعتقل الإسرائيلي، عمله للتواصل معا لا يزيد عن رسائل ورقية تمرّ عبر الرقيب العسكري، وكثير من الأحلام التي يطلق لها العنان كلّ من هو في مكانهما عندما يضع رأسه على (مخدّة البرش)، وهو الاسم الذي يطلق على فراش السجن الإسرائيلي· لكن الخطيبيْن اللذين اقترنا وهما في السجن رغم انتمائهما الى منظّمتين متصارعين (نزار الى حركة فتح وأحلام إلى حركة حماس)، يعدّان اليوم للالتقاء في الحياة الواقعية بعد أن أعلن عن اسميهما في قائمة تبادل الأسرى بين (حماس) وإسرائيل· وكان نزار البالغ من العمر اليوم 38 عاما، اعتقل العام 1993 عندما كان طالبا في جامعة (بيرزيت) في الضفّة الغربية، وحكم عليه بالسجن المؤبّد بتهمة الانتماء إلى خلية عسكرية تابعة ل (فتح) خطفت وقتلت مستوطنا يقطن في مستوطنة (بيت إيل) قرب رام اللّه· وبعد تسع سنوات، اعتقلت ابنة عمّه أحلام التي تبلغ اليوم الثانية والثلاثين من العمر، والتي كانت طالبة في قسم الصحافة في جامعة (بيرزيت)، وحكم عليها بالسجن المؤبّد 16 مرّة لانتمائها إلى الجهاز العسكري ل (حماس) ولدورها في هجوم استشهادي على مطعم في القدسالغربية أسفر عن مقتل 19 إسرائيليا· وفي ظلمة السجن المؤبّد الذي لا أمل لأصحابه في الخروج منه سوى بمعجزة مثل هذه (مبادلة جندي إسرائيلي أسير بأكثر من ألف أسير من بين خمسة آلاف)، قرّر نزار وأحلام الاقتران لخلق حياة زوجية افتراضية بين رجل وامرأة تفصلهما عن بعضهما بعض جدرانٌ وأيّام سجن مؤبّد لا تنتهي· وهناك في السجن، سجن عسقلان، أقام نزار حفلة اقترانه بأحلام: غناء وأهازيج وأمنيات، وفي سجن النّساء (هشارون) أقامت أحلام وزميلاتها حفلة مماثلة· وقال محمود الذي أمضى مع شقيقه نزار أربع سنوات في السجن: (كان السجّانون في سجن عسقلان يضحكون ساخرين منّا ونحن نحتفل بقران أسيرين محكوم عليهما بقضاء حياتهما حتى آخر لحظة في السجن· لكن قلنا لهم: سيأتي يوم يتحرّر فيه الأسيران ويكملان حياتهما معا)· خلال السنوات الخمس الماضية من اقترانهما، عاش الأسيران أحلام ونزار حياة فيها كثير من الأحلام الجميلة وكثير من الواقع الصّعب، فكانا يكتبان لبعضهما البعض رسالة كلّ صباح ويرسلانها عبر البريد لتصل إلى عائلتيهما، لتقوم العائلتان بإعادة إرسال رسالة أحلام إلى نزار ورسالة نزار إلى أحلام· وقال محمود إن كلّ رسالة كانت تستغرق نحو نصف شهر في البريد، أي شهر كامل بين بريد وآخر· واشترطت السلطات الإسرائيلية إبعاد أحلام إلى الأردن، لكنها وافقت على إطلاق نزار إلى بيته في رام اللّه، وهو ما يشكّل عقبة أمام لقائهما وزواجهما· لكن العائلة تقول إن هذه العقبة ستكون صغيرة جدّا أمام عقبة السجن المؤبّد التي كانت تفصلهما عن بعضهما البعض· وتجسّد تجربة أحلام إلى حدّ كبير التجربة الجمعية الفلسطينية، فهي ولدت في الأردن لعائلة نزحت من الضفّة في حرب عام 1967، قبل أن تلتحق بجامعة (بيرزيت)، وحينها قامت أحلام بزيارة ابن عمها نزار في السجن مرات· وقال محمود إن مشاعر ظهرت بين نزار وأحلام في تلك الزيارات، غير أنهما لم يعبِّرا عنها بسبب العائق المتمثل في السجن· وبعد أعوام قليلة اندلعت الانتفاضة، فشاركت أحلام في تنفيذ عملية تفجيرية· وعندما اعتقلت وحُكم عليها بالسجن المؤبد، أصبح بينها وبين نزار من المشترك ما فجَّر مشاعرهما، وجعلهما يقدمان على هذه الخطوة التي بدت حينها للكثيرين أنها ليست سوى حالة تشبث بالأمل في الحياة أكثر ممّا هي خطوة واقعية، لكن ها هو فرج اللّه يأتي ويتحقّق الحلم بفضل جهاد المخلصين وصمودهم وتضحياتهم· * هناك في السجن، سجن عسقلان، أقام نزار حفلة اقترانه بأحلام: غناء وأهازيج وأمنيات، وفي سجن النّساء "هشارون" أقامت أحلام وزميلاتها حفلة مماثلة· وقال محمود الذي أمضى مع شقيقه نزار أربع سنوات في السجن: (كان السجّانون في سجن عسقلان يضحكون ساخرين منّا ونحن نحتفل بقران أسيرين محكوم عليهما بقضاء حياتهما حتى آخر لحظة في السجن، لكن قلنا لهم: سيأتي يوم يتحرّر فيه الأسيران ويكملان حياتهما معا)·