إنّ القيام بمعاقبة الأبناء من قبل الوالدين كثيرا ما يحدث في أسرنا الجزائرية وفي كل بقاع العالم، وهو ليس بالأمر الغريب، إلاّ أن ما يطبقه بعض الأولياء من أنواع العقاب الشديد أثناء قيام أحد الأبناء بمشكلة ما أو عدم حصوله على نتائج جيدة في الامتحان فاق حدود المعقول، وهذا راجع إلى تخلفهم وبعدهم عن الإحساس وعن ما أمرنا به رسولنا الكريم: (إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) فقد كان غريبا أن يمس هذا الحديث رحمة الآباء اتجاه أبنائهم، وهم ملاذ الحماية والحب لدى الأطفال، فنجد بعض الآباء والأمهات يعاقبون أطفالهم بطريقة متوحشة وكأنّ الخطأ الذي ارتكبوه لا يغتفر، فهم يقومون بضربهم بأدوات خطيرة ويقذفونهم بها مثل السكين وغيره من الأجسام الحديدية.. وفي غالب الأحيان ما تكون أسباب هذا الضرب المبرح سخيفة أو لا تحتاج لكل هذا العنف، بحيث لا يفهم بعض الأطفال لماذا والده أو والدته عاقبته، مما يوّلد لديهم أفكارًا خطيرة قد تؤدي بهم إلى الهلاك أو عدوانية ضدّ أبائهم وأمّهاتهم. صور حقيقية من صلب واقعنا رصدناها أثناء بحثنا في الموضوع، فوجدنا السيدة (أ) القاطنة بسيدي موسى التي كلمتنا عنها أخت زوجها شاكية من تصرفاتها بخصوص معاقبة أخيها بطريقة غريبة، حيث قامت السيدة (أ) بإلباس ابنها (أمين) البالغ من العمر 10 سنوات فستان فتاة وهو لأخته لأنه لم يدرس جيدًا وكأنها تحاول الإنقاص من شخصية ابنها (الرجل)، فهل هذه طريقة تجعله يحب الدراسة؟! بالعكس تماما. فقد ولد لديه فكرة الانتحار وهو ما أفادتنا به عمّته بحيث قالت بأنّ والدته في أحد الأيام صعدت إلى سطح المنزل لنشر الغسيل فوجدت (أمين) ابنها واضعا حبلاً حول عنقه ويحاول ربط الطرف الثاني بقطعة الخشب الممتدة على الجدار، مما أثار ذعرًا كبيرا في نفس والدته التي أخذت تبكي، وهو ما جعل (أمين) ينزع الحبل من عنقه ويخبرها بخوف وارتعاش بأنه يلعب فقط حظ (كريم) من العقاب لا يقل مقارنة بحصة ابن عمه (أمين) وكأن هذه الأسرة لديها إيدلوجية مقررة في العقاب ولنفس الدافع أي فشله في الدراسة فقد قامت والدة كريم بربط يدي ابنها بالحبل وقامت بإبقائه في المستودع طوال اليوم لدرجة أنها نسيّته، وحين تذكرته مع سدود الليل وجدت يديه قد أصبح لونهما أزرق ولا يقوى على تحريكهما، ولكن ولحسن حظه لم يحدث ما لا يحمد عقباه وهو فساد دم يديه. فسبحان الله هل على الوالدين أن يعيشا ألم فقدان أحد الأبناء لكي يكفوا عن معاقبة أبنائهم بتلك الطريقة التي تحبط من نفسية أبنائهم وتحطم كيانهم فعادة ما تصدر هذه التصرفات من زوجة الأب التي باتت هوّيتها مألوفة للناس جميعا ومع ذلك يلومها الناس ويتعجبون لقسوتها، لكن أن تقوم أم بفعل هذا بابنها هو ما لا يصدق، فكيف لهذا أن يحدث وقد عرفت الأم بالحنان والحب والعطاء الدائم؟ فعلى الرغم من أنّ (كريم) تعرّض لهذا العقاب القاسي لكنه نجا منه بأعجوبة على خلاف (محمد) الذي تعرض لنفس نوع العقاب مما أدى به ذلك إلى بتر كفيه وهو ما قام به الطبيب وأكد بأنها لو لم تبتر لتنقل الدم الفاسد إلى كل الجسم مما سيؤدي إلى وفاة الطفل، حدث كل هذا لمحمد لأنه أسقط جهاز التلفاز وهو يلعب فغضب والده وكبل له يديه. فأضحى الأب نادما لما حصل لابنه ومازاده ندما هو كلام محمد الذي بقي كابوسا في ذهن أبيه (لو تركت لي يديّ يا أبي لاشتريت لك تلفازًا عندما أكبر وأعمل) فهل ينفع الندم بعد فوات الأوان؟ والعيّنات كثيرة جعلتنا نذهل ونتحسر لما يحصل لهؤلاء الأطفال، فمنهن أيضا من كوت ابنها بالنار لأنه يبلل سرواله بالبول دون شعور منه وهو ما أكده الطبيب لوالده عندما كشف عليه ونصح بختانه، وهناك سيدة أخرى قامت بضرب أصابع يدّي ابنها وابنتها معًا بسكين الحلاقة وهو ما أخبرتنا به صديقة ابنتها وعندما سألناها عن السبب، أجابتنا بأنها لا تعرف، ولكن مهما كان السبب لا يعقل أن يعاقبا عليه بهذه الطريقة الشرسة التي لم نشهدها إلاّ من قبل الاستعمار، هي صورة قبيحة تصرّ بعض الأمهات أن تكون ضمنها ظنًا منهنّ أنها تلك هي التربية والتوجيه المناسب. فمن جهة أخرى وعلى عكس ما تقوم به هاته الأمهات نجد بعضا آخر منهن تحاول التفكير بطريقة حضارية لكي تجعل ابنها يندم على الخطأ الذي اقترفه مثل السيدة (دليلة) التي قالت بأنها ذهبت عند أخصائية نفسية لكي تستفسر منها ما يجب فعله لتعاقب ابنها عن أخطائه فأجابتها بأن تقوم بحرمانه مما يجب من لعب ومشاهدة التلفاز وبالأخص البرامج المفضلة لديه وعدم شراء ما يحبه من حلويات أو أكلة يحبها، وما إلى ذلك، حتى وإن قامت بضربه يكون ضربا خفيفا على الكفين لتربيته وتوجيهه توجيها صحيحا، وأن تخبره بأنه عوقب لأنه فعل أمرا خاطئا. فإذا كان الأطفال يلقون هذا العنف من أقرب الناس إليهم فكيف للعالم الخارجي أن يعطف عليهم وكيف للطفل أن يتربى وفق منهج سليم يعطف ويحب الناس إن تربى على هذه القسوة، بل بالعكس فهذا سينشئ لنا وحوشا آدمية في المجتمع لا يعرفون الرحمة وبالتالي سيتجهون إلى طريق الانحراف بسهولة مطلقة كالقيام بالسرقة والإدمان على المخدرات والاغتصاب وما شابه ذلك من الأمور التي تحطم المجتمع المسلم على وجه أخص، ولهذا فنحن نأمل بأن تكون هناك مراقبة مستمرة حول معاملة الطفولة من قبل المختصين بمراكز رعاية الأطفال وتقديم تقارير وشكاوي ضد الأولياء الذين يتخطون الخطوط الحمراء في معاقبة أبنائهم.