خصّ الرجل الأوّل في الاتحادية الدولة لكرة القدم السويسري جوزيف سيب بلاتير موقع (الفيفا) بحوار مطوّل تطرّق فيه إلى الكثير من القضايا منها على وجه الخصوص مستقبل اللّعبة وقضية موضوع التمييز العنصري في ملاعب كرة القدم، وهو الموضوع الذي بات الشغل الشاغل للاتحاد الدولي لكرة القدم وتسعى لمحاربته بشتى الوسائل· وفي سبيل تسليط الضوء على مناهضة التمييز العنصري وآخر ما استجدّ في مسيرة هذا النّضال منذ عشر سنوات، تحدّث بلاتير في الموضوع بكلّ صراحة عن هذه المسألة الحسّاسة وبالغة الأهمّية بالنّسبة ل (الفيفا) ولأسرة كرة القدم على وجه العموم· - احتفلنا مؤخّرا بالذّكرى العاشرة لقرار مناهضة التمييز العنصري، ما هي أهمّ الإنجازات المحقّقة في محاربة التمييز العنصري بعد عشر سنوات من تطبيق ميثاق بوينوس آيرس الذي قنّن مناهضة أشكال التمييز العنصري في مجال كرة القدم وجعلها من الأولويات؟ -- لقد حقّق الكثير من الإنجازات، ففي سنة 2001 شرعنا في سُنّة الاحتفال باليوم العالمي لمناهضة التمييز العنصري، وفي سنة 2006 نظّمنا حملة (قل لا للعنصرية)، كما أذكر كذلك مباراة (90 دقيقة من أجل مانديلا) التي نظّمت سنة 2007 وكان الهدف الأساس منها دعم النّضال ضد العنصرية· هذه لا تعدو إلاّ أن تكون أمثلة لعملنا في هذا المجال، ومهما يكن فإننا والمجتمع ككلّ مقصّرون في العمل من أجل هذه القضية الهاّمة وأعني بذلك أننا لن ندّخر جهدا في خدمتها· - لكن كيف يمكن لكرة القدم على وجه الخصوص في رأيكم أن تساهم في مناهضة هذه الظاهرة؟ -- إنها تستمدّ تلك القوّة من قدرتها على توحيد النّاس، لذلك فإنها لا تفوّت أيّ فرصة للتأكيد على مناهضتها لكلّ أشكال التمييز، وذلك ما فعلناه من خلال تنظيم يوم لمكافحة التمييز في 13 جويلية الماضي على هامش نصف نهائي كأس العالم للسيّدات· الأمر لا يقف فقط عند العنصرية، بل يتعدّاه إلى الهوموفوبيا (رهاب المثلية) والتمييز الجنسي والتفريق الديني والتمييز على أساس عرقي، وكلّها أشكال غير مقبولة للعنصرية، سواء داخل الميدان أو في جنبات الملعب أو داخل المجتمع، بل إنها تصبح مرفوضة بتاتا خاصّة بالنّظر إلى مبدأي اللّعب النّظيف وتقبّل الاختلاف اللذين يشكّلان روح كرة القدم· - لقد طفت إلى السطح في ألمانيا خلال نهائيات كأس العالم للسيّدات الأخيرة مسألة الهوموفوبيا، ما موقفكم من هذه المسألة؟ -- إن موقفنا واضح في هذا المجال، فالميول الجنسي للاعب أو لمدرّب أمر يتعلّق بحياته الخاصّة، والمفترض أن يعيش النّاس حياتهم الخاصّة متحرّرين من أيّ شكل من أشكال التمييز· - ماذا يمكن ل (الفيفا) أن تفعله في المستقبل لتفادي تكرار الممارسات العنصرية؟ -- إن الحلّ يكمن في التعليم، أقول دائما مرارا وتكرارا إن كرة القدم هي مدرسة حياة لأن مبادئها تنبني على الانضباط واللّعب النّظيف واحترام الآخر· إن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) ينظّم دورات تدريبية كثيرة بشكل مباشر أو غير مباشر، لفائدة الشباب الواعد، ولا أدلّ على ذلك من برنامج جراسروتس، غير أن دورة يستفيد منها التقنيون المحلّيون من أجل أن يصيروا مدرّبين معترف بهم سيكون لها أثر جلي على الشباب، حين نساعد الإتحادات الأعضاء على دخول عالم الاحتراف بفضل برنامجنا بيرفورمانس فإن بعض مكوّنات البرنامج تهمّ أيضاً اللاّعبين الشباب داخل ذلك الاتحاد· وكلّما نظّمنا دورة تدريبية من هذا القبيل أو وضعنا برنامجا مماثلا فإننا نؤكّد على رسالة الاحترام وتقبّل الآخر ومناهضة العنصرية، وباختصار فإن الحلّ يكمن في التعليم· - هل من وسائل أخرى يستخدمها الاتحاد الدولي لكرة القدم؟ -- نعم·. من خلال حركة كرة القدم من أجل الأمل التي تساند أكثر من مائة جمعية حول العالم أو من خلال برامج العمل التي تجمعنا بمنظّمات أخرى كاليونيسيف أو البنك الأمريكي للتنمية، إضافة إلى عدد من الوكالات والبرامج التي تشرف عليها الأمم المتّحدة، كلّ هذه المؤسسات تعمل وفق مواضيع محدّدة وتستخدم كرة القدم من أجل تمرير رسائلها ونشرها· وفي أغلب الحالات تعمل هذه الجهات لفائدة الأطفال، وبالنّسبة لكثير منها فإن الموضوع الذي تنكبّ على معالجته هو مناهضة التمييز العنصري، إنه عمل يتطلّب صبرا ونفسا طويلاً، حيث أنه عمل يتعلّق بالتعليم وهو العمل الأكثر نجاعة· - كلّ تلك البرامج تتعلّق بالوقاية، لكن هل هناك من عقوبات في حال تسجيل بعض التجاوزات؟ -- دعني أذكّر في البداية بالفصل الثالث من نظام (الفيفا) الذي ينصّ على منع كلّ شكل من أشكال التمييز التي توجب الإقصاء أو العقوبة· إن نظام (الفيفا) يعادل من النّاحية القانونية دستور دولة، وهذا ليس أمرا هينا، لكن قبل الوصول إلى إقصاء اتحاد عضو ما هناك العديد من التدابير التي يمكن اللّجوء إليها· تملك (الفيفا) ترسانة من القوانين التي تهمّ هذا المجال، لكن على الرغم من أنّي أساند الصرامة في هذا الاتجاه ورغم أنه من الممكن للعقوبات أن يكون لها دور رادع ومهمّ إلاّ أن قناعتي كبيرة بأن تلك القوانين لن يكون لها نفس نجاعة الوقاية· - بالنّسبة لك، ما الذي يجب عمله لاجتثاث هذا الداء من مياديننا الكروية ومجتمعنا في أقرب وقت ممكن؟ -- لا أظنّ أنه بالإمكان اجتثاث العنصرية أو أيّ نوع آخر من أنواع التمييز في مجال كرة القدم، لن نتمكّن يوما من التصريح: (لقد قضينا نهائيا على العنصرية في عالم كرة القدم) إن ذلك بعيد كلّ البعد عن الواقعية· علينا بالمقابل أن نبقى متيقظين في هذا المجال، وأظننا نسير على الطريق الصحيح، فالحالات العنصرية المسجّلة شهدت تراجعا ويمكننا اليوم الحديث عن ندرتها، وأتمنّى أن يستمرّ هذا النّسق في هذا الاتجاه، لكن إن أردنا أن يفهم الشباب العبث الذي ينطوي عليه سلوك عنصري، فعلينا إشراك اللاّعبين ونجوم اللّعبة· في مجتمعنا يشكّل ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو ودافيد بيكام مثالاً أعلى بالنّسبة لملايين لا تحصى من الأولاد والبنات، إن هؤلاء النّجوم يكرّرون دائما على مسامع معجبيهم ضرورة تقبّل الآخر وعدم رفضه فقط بسبب اختلافه، وأنا متأكّد من أن هذه الرسالة تصل إلى متلقّيها، ذلك أنهم يلعبون دور الأخ الأكبر داخل أسرة كرة القدم·