** في دارنا امرأة تصيب بالعين، وأنا أتكلم معها، ولكن أخاف منها كثيراً وأشعر أنها سوف تحسدني على أي كلمة، لأنها لا تنجب الأولاد وزوجها عسر، وتحسدني على أي شيء، وأتوتر من الحديث معها، ولكن أقول إني أريد أن لا أتكلم معها لهذا السبب فأحزن عليها لبقائها وحيدة فأضطر للكلام معها، فماذا أفعل؟ * اعلمي أن الأصل هو حسن الظن بالمسلم، وحمل تصرفاته على محملٍ حسنٍ، كما لا يجوز للمسلم هجر أخيه المسلم، فلا يجوز للمسلمة أن تهجر أختها، إلا إذا تأكدتِّ من أن هذه المرأة حاسدة، وتكرر الأمر منها، وتبين لك هذا بما لا يدع مجالاً للشك، وعهدتِّيه عليها، فحينئذٍ يجوز لك شرعاً أن تهجريها اتقاءً لشرها، وتجنباً لأذاها، ويجوز أن يطول الهجر فوق ثلاث ليال طالما وُجدت مصلحة شرعية تقتضي زيادة مسافة الهجر وهي أنك تخافين على نفسك من شرها وأذاها· قال الإمام ابن بطال رحمه الله في شرح البخاري: (والذي عندي أن من خشي من مجالسته ومكالمته الضرر في الدين أو في الدنيا والزيادة في العداوة والبغضاء فهجرانه والبعد عنه خير من قربه لأنه يحفظ عليك زلاتك ويماريك في صوابك ولا تسلم من سوء عاقبة خلطته ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية) اه· وإن كنا ننصحك أختي الكريمة أن تكوني قريبة منها حتى تنصحيها وتذكريها بالله تعالى، وتعينيها على طاعة الله، والمسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي يعتزل الناس، ولعل وجودك إلى جوارها وصلتك بها خير من هجرها· وسواء هجرتيها أو لا فعليكِ أن تحافظي على الرقية الشرعية وتقرأيها على نفسك وعلى أولادك، ففيها تحصين لك ولأولادك من الحسد بإذن الله تعالى، والله أعلم إبراء الميت من دينه ** ادخرت مبلغاً من المال مع أختي على سبيل الأمانة، وهي أودعته بأحد البنوك في حسابها الخاص بناء على طلبي، وبعد فترة مرضت أختي وتوفاها الله، وأنا بيني وبين نفسي قد أبرأت ذمة أختي المتوفاة· لكن والدتي وزوج أختي صرفا من المبلغ ما يخصهما وأعطياني إياه ومتبقي فقط نصيب الأولاد إلى حين بلوغ سن الرشد، فما حكم الدين في ذلك؟ وهل على أختي المتوفاة أي شيء شرعاً، مع العلم أنني من وقت وفاتها اعتبرتها أنها ليست مدينة لي بشيء، وما حكم أخذي المبلغ من الورثة؟ * جزاك الله خيراً على هذا العمل الطيب الذي برأت فيه ذمة أختك من الدين، وأبردت عليها جلدتها، روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن جابر رضي الله عنه قال: (توفي رجل فغسلناه وحنطناه وكفناه ثم أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه، فقلنا تصلي عليه، فخطا خطى ثم قال: أعليه دين؟ قلنا: ديناران، فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه فقال أبو قتادة: الديناران عليَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحق الغريم وبرئ منهما الميت؟ قال: نعم، فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم: ما فعل الديناران؟ فقال: إنما مات أمس، قال: فعاد إليه من الغد، فقال: لقد قضيتهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الآن بردت عليه جلده)· ولقد نص الفقهاءُ أن إبراء الميت من دينه صحيح، جاء في درر الحكام شرح مجلة الأحكام للشيخ علي حيدر الحنفي: (يصح إبراء الميت من دينه، ويستفيد كل الورثة من هذا الإبراء، ولا تطالب التركة بشيء· وكذا لو كفل بما على الميت من دين بشرط براءة ذمته فإنه يصح· إلا أنه إذا ردَّ الوارث هذا الإبراء فيرد على رأي الإمام أبي يوسف، ولا يرد على رأي الإمام محمد· أما إذا لم يُبرئ الدائن المتوفى بل أبرأ أحد الورثة من دينه في التركة فيصح الإبراء في حصة الوارث المبرَّأ، ولا يستفيد الورثة الآخرون منه)· وعليه يمكن للورثة أن يأخذوا المال ولا شيء عليهم، لأنك أبرأت أختك وهم ورثوه من أختك، ويمكنهم ردُّ المال إليك وعدم قبولهم للإبراء· وبما أنهم أعادوا إليك المال فهذا يعني أنهم قد ردُّوا الإبراء، ولا شيء عليك في أخذ المال منهم بعد أن أبرأت ذمة أختك· والخلاصة أنك قد برأت ذمة أختك، ولا مانع من أن تأخذ مالك من الورثة، والله أعلم·