مع اقتراب موعد العطلة الصيفية وانتهاء أغلب المدارس الابتدائية والمتوسطات، من امتحانات الفصل الثالث والأخير، اغتنم العديد من الأطفال الفرصة، من أجل كسب بعض المال، وهذا من خلال اختيارهم لبعض أنواع التجارات المربحة، خاصة تجارة بيع قارورات المياه، عبر مختلف محطات الحافلات· ففي الوقت الذي تكون فيه الفئة المحظوظة من الأطفال، تنعم بالعطلة الصفية عبر التجول بين مختلف الغابات والحدائق، وعلى شواطئ البحر، كذا عبر السفر إلى خارج البلاد، تظل هناك فئة أخرى محرومة تماما من كل هذا اللهو والمرح، لأن الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشونها تحتم عليه التضحية بعطلتهم في سبيل كسب ما يسدون به احتياجاتهم الخاصة، واحتياجات عائلاتهم في كثير من الأحيان· لقد اضطرت الظروف الصعبة عددا كبيرا من الأطفال إلى ولوج عالم الشغل، خاصة في فترة العطلة الصيفية، حيث لم يعد مشهد تجولهم عبر الأسواق، أو في محطات النقل غريبا، لأنها أصبحت ظاهرة نراها وننتظرها كلما حل فصل الصيف واشتدت درجات الحرارة· ففي السنوات الأخيرة أصبحنا نصادفهم على مستوى محطات الحافلات، قابعين وبجانبهم، صناديق أو محافظ مملوءة بقارورات الماء البارد، أو تجدهم يتجولون بها عبر الحافلات، فيصعدون في هذه ويزيدون في تلك، هذا كله ليتمكنوا من بيعها للمسافرين، والعودة لأهاليهم ببعض النقود، التي تساعد في حل مشكلة ما· وفي هذا الشأن يقول بعض الأطفال، ممن صادفناهم بمحطة بن عمار لنقل المسافرين، بالقبة، حيث قال لنا سفيان البالغ من العمر 12 سنة، إنه يبيع قارورات المياه المعدنية كلما حلت العطلة الصيفية، لأنه يعتبرها تجارة مربحة، كما يضيف لنا أن دخوله إلى عالم الشغل في فترات العطل، ليس أمرا اختياريا، لأن الظروف الصعبة التي يعيش فيها، رفقة عائلته المتكونة من ثمانية أفراد، أجبرته على مساعدة أبيه في إعالة إخوته الصغار، كما قال لنا بأنه يدرس في قسم الأولى متوسط، وهو يتابع دراسته كغيره من أبناء سنه، إلا أنه لا يستغل أوقات العطل للهو والمرح مثلهم، بل يستغلها في العمل، فراتب والده لا يكفي لتغطية وسد كافة احتياجاتنا· طفل آخر في نفس سن سفيان تقريبا، وجدناه جالسا أمام صندوق لقارورات المياه الباردة، اقتربنا منه وسألناه عن سبب اختياره لهذه المهنة، في حين أنه يجب أن يكون بين أقرانه، يتمتع ببعض الوقت في اللعب والمرح، بعد عام كامل من الجهد والتعب في الدراسة، إذ قال لنا بأنه اختيار بيع قارورات المياه وحده، دون أن يجبره أحد، فهو من عائلة فقيرة جدا، لذا فهو يعمل صيفا ليوفر مصاريف الدخول المدرسي، غير أنه يعقب قائلا، إنه في بداية الأمر كان يشعر بخجل شديد، ولكن مع مرور الأيام تعود على الأمر، خاصة بعدما تحليه بالشجاعة، وتفكيره الدائم في كيفية النجاح والتقدم في دراسته، فهو على يقين تام أن تضحيته هذه لن تذهب سدى، فالشهادة التي سيحصل عليها مستقبلا ستوفر له عملا جيدا وتجعل منه رجلا مهما·