تصاعدت حدة الاحتجاجات الإسلامية على الفيلم الحقير الذي يحاول تشويه صورة الإسلام ونبي الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، والذي اشتهر إعلاميًّا باسم (الفيلم المسيء للرسول) ولكن من الملاحظ أنه كما يحدث في كل مرة يسيء فيها أحد سفهاء الغرب للإسلام أو نبي الإسلام فإن المعالجة والرد يكون عاطفيًّا وحماسيًّا. ولا يدرك المتحمسون أن حكام الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا لا يمكنهم أن يمنعوا أيًّا من مواطنيهم من الإساءة للإسلام أو لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أو حتى لله عز وجل مهما كانت الإساءة حقيرة وذلك من منطلق تقديس حرية التعبير، فنظمهم القانونية والثقافية والأخلاقية تقدس حرية التعبير والحرية الشخصية بلا سقف وبلا قيود، وهذا شيء قد لا ندركه نحن في عالمنا الإسلامي لأننا عندنا عدة قيود على الحريات أولها قيود الحكام المستبدين الذين لا يزالون يحكمون أغلب دولنا الإسلامية بالإضافة إلى قيود التقاليد والعادات سواء كانت صحيحة أم مخطئة؛ لأنها مترسخة عبر التاريخ، كما أن هناك قيد الشرع الحنيف عند من يلتزم به. الغرب ليس لديه قيدٌ ديني، كما أن عاداتهم وتقاليدهم مختلفة عنا، ومن ثم فإهانات الأديان والرسل والرموز الدينية مقبولة ضمن منظومتهم الأخلاقية والقانونية، بل محمية جدًّا بحيث لا يمكن لحاكم التعرضُ لها، ومن هنا فما يجري من تظاهرات ومحاولات للضغط على حكومات الدول التي تصدر الإساءة من مواطنيها هو نوعٌ من العمل غير المثمر، بل بالعكس هو عمل ضار بعملية الدعوة الإسلامية وضرره يأتي من عدة أوجه. الأول والأهم: أنه يفرغ شحنة غضب المسلمين وطاقتهم للعمل في سبيل الله والإسلام في اتجاه خاطئ، فتبرد الجماهير ظنًّا منها أنها فعلت ما عليها لنصرة الله ورسوله، بينما لم تفعل شيئًا حقيقيًّا سوى قدر من الصراخ والضجيج الذي لن يدفع حكومات الغرب لمنع الإساءة، وعندما نأتي لنتحرك في حقل مثمر لدعوة الإسلام يكون أغلب الناس قد برد حماسُهم وفترت همتهم وتبددت طاقتهم في التظاهرات فلا نجد عشرة في المائة ممن حضروا التظاهرات لديه العزيمة للمشاركة في عمل مثمر حقيقي، وإن ظلت لديه رغبة تدور في عالم الأماني فقط دون تنفيذ في أرض الواقع. الثاني: أن هذه الاحتجاجات الواسعة تمثل عملية دعاية وتسويق واسعة جدًّا ومجانية للعمل المسيء... وأظن أن مئات الملايين حول العالم قد شاهدوا الفيلم الحقير الآن بسبب الدعاية المجانية التي قدمناها لصناع الفيلم الحقير. الثالث: أن أعداء الإسلام يمكنهم استغلال صور وفيديوهات الحشود الغاضبة من المسلمين وعمليات التدمير والحرق والقتل التي وقعت من البعض ليقولوا لجماهير الغرب الذين يجهلون كل شيء عن الإسلام: (انظروا ماذا يفعل المسلمون؟ ألم نقل لكم: إنهم إرهابيون، فأنكر بعضكُم وقال هذا الفيلم مفترى، هاهم يمارسون الإرهاب عليكم أمام شاشات التليفزيون، فهذا واقع وليس فيلمًا أو تمثيلاً).. وفي هذه النقطة ينبغي ذكر رد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على عمر رضي الله عنه عندما قال له عمر بشأن رأس النفاق في المدينة عبد الله بن أبي بن سلول: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعه لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه) (أخرجه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي وغيرهم) فحتى لو فرضنا أن هناك من يستحق القتل فسنة إمام الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم تقتضي مراعاة المردود الإعلامي والدعوي لمثل هذا القتل، قال الإمام ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري: (وقال القرطبي: إن ترك قتل لبيد بن الأعصم كان لخشية أن يثير بسبب قتله فتنة أو لئلا ينفِّر الناس عن الدخول في الإسلام، وهو من جنس ما راعاه النبي صلى الله عليه وسلم من منع قتل المنافقين حيث قال: لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه). علمًا بأن الاعتداء على الدبلوماسيين أمر غريب على فقه السياسة الشرعية، ولنتذكر هنا حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما). ومن هنا لابد أن نتساءل ما هو الرد الصحيح الذي ينبغي علينا أن نقوم به إزاء هذه الحقارات المتكررة من بعض مواطني أوروبا وأمريكا ضد الإسلام ونبي الإسلام ورموز الإسلام؟ أولاً: لابد من عمل سياسي وقانوني إسلامي يقوم به محامون وسياسيون من مواطني أوروبا وأمريكا كي يضعوا قيودًا على قانونية الافتراء على الإسلام بدعوى الفن أو حرية التعبير أسوة بقوانين محاربة (اللا سامية) الموجودة في أوروبا وأمريكا لتحمي اليهود من أي نقد تحت دعوى مناهضة العنصرية؛ وذلك من منطلق أن أعمال إهانة الإسلام أو رسول الإسلام تأتي في إطار بث الكراهية والخطاب العنصري ضد المسلمين، والخطاب العنصري وخطاب الكراهية هما مُجرَّمان في القوانين الأوروبية والأمريكية، لكنَّ هناك قصورًا في تطبيق هذه المفاهيم بشأن جرائم الكراهية ضد الإسلام، وتحقيق هذا الأمر وإن كان صعبًا لكنه ليس مستحيلاً. ثانيًا: تقوم حكومات الدول الإسلامية بجهود وضغوط دبلوماسية وسياسية قوية على أوروبا وأمريكا والأمم المتحدة والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لتحقيق نفس الهدف. ثالثًا: انتهاز فرصة الأجواء التي سبَّبها الفيلم الحقير لإقناع كافة القوى السياسية والاجتماعية وكافة الجماهير العربية والإسلامية بأهمية أن تقيد الحرية بحدود الشرع الحنيف؛ لأن إنتاج هذا الفيلم الحقير جاء تحت حماية القوانين التي تكفل الحريات المطلقة التي ليس لها أي قيد قانوني أو سقف أخلاقي أو اجتماعي بدعوى حرية الإبداع وحرية التعبير والحريات الشخصية، فهذا الفيلم الحقير يظهر ضرر إطلاق عنان الحريات دون وازع من شرع أو قانون. رابعًا: إنشاء مؤسسة غير حكومية يقودها أشخاص أمناء ومحترمون وغير منتمين لأي حكومة أو منظمة إسلامية كبرى، وتكون مهمتها إنتاج أفلام وثائقية وتسجيلية ودرامية بلغات العالم الرئيسة تشرح ما هو الإسلام ومن هو رسول الإسلام، ورموزه من كبار الصحابة والتابعين والفقهاء وعلماء العلوم الطبييعة (الرياضيات والطب والكيمياء والهندسة والفلك والصيدلة....) عبر التاريخ الإسلامي وكذلك تشرح كثيرًا من الأحداث التاريخية الهامة التي كان الإسلام طرفًا فيها. لأن الجهود المبذولة الآن غير كافية من مثل توزيع كتب ومصاحف وكتابات إسلامية بلغات مختلفة، ليس لأن كل ما يُوزع لا يصل إلا لنسبة صغيرة من سكان العالم، ولكن أيضًا لأن ليس كل الناس يقرأون الكتب والكتابات، بل مئات الملايين يحبون مشاهدة التليفزيون ومواده الدرامية والوثائقية والتسجيلية، كما أن نشر هذه المواد ممكنٌ وسهل عبر الإنترنت ليراها مئات الملايين عبر الكمبيوتر والآي باد والتليفون المحمول. ولابد أن يتم إعداد هذه المواد بحِرفية مهنية عالية وتسويقها أيضًا بنفس القدر من الحرفية والمهنية حتى لو استلزم الأمر إنشاء قنوات فضائية بلغات مختلفة بجانب استغلال حرفية ومهنية المادة في تسويقها وعرضها عبر قنوات تليفزيونية متعددة. وهكذا يكون فعلنا في الدعوة إلى الله والدفاع عن دين الله فعلاً عمليًّا ومؤثرًا جدًّا، وهو ما يحقق مقاصد السياسة الشرعية ولا يخالف أيًّا من أحكامها. * لابد من عمل سياسي وقانوني إسلامي يقوم به محامون وسياسيون من مواطني أوروبا وأمريكا كي يضعوا قيودًا على قانونية الافتراء على الإسلام بدعوى الفن أو حرية التعبير أسوة بقوانين محاربة (اللا سامية) الموجودة في أوروبا وأمريكا لتحمي اليهود من أي نقد تحت دعوى مناهضة العنصرية؛ وذلك من منطلق أن أعمال إهانة الإسلام أو رسول الإسلام تأتي في إطار بث الكراهية والخطاب العنصري ضد المسلمين، والخطاب العنصري وخطاب الكراهية هما مُجرَّمان في القوانين الأوروبية والأمريكية، لكنَّ هناك قصورًا في تطبيق هذه المفاهيم بشأن جرائم الكراهية ضد الإسلام، وتحقيق هذا الأمر وإن كان صعبًا لكنه ليس مستحيلاً.