تعرف مختلف القصابات بالعاصمة خلال هذه الأيام ارتفاعا خياليا في أسعار اللحوم التي باتت تعرض فيها الكيلو غرام الواحد من لحم الخروف الطازج بسعر يقارب 1200 دج الأمر الذي زرع الرعب في نفوس المواطنين خوفا من ارتفاع السعر أكثر مما هو عليه، لاسيما ونحن على بعد قرابة شهر من عيد الأضحى المبارك، حيث تعرف أسواق الماشية حركية دؤوبة تصنعها رحلة البحث عن رؤوس الأغنام التي بدأت باكرا في هذا العام، حيث بات الحصول عليها بأثمان معقولة ضرباً من الخيال بالنسبة للمواطن البسيط وسط تنافس شرس بين بارونات تجارة اللحوم، الذين استحوذوا على غالبية رؤوس الأغنام التي تلج السوق ومهما كانت الأسعار. يبدو أن عيد الأضحى المبارك لهذا العام سيكون مميزا من خلال الأسعار المعروضة حاليا والتي تجاوزت حدود المعقول ليبقى المواطن البسيط وحده يدفع فاتورة الغلاء أمام الارتفاع المذهل للأسعار ولهفة السماسرة على امتصاص ما تبقى من دماء المستهلك بعدما أصبح الخروف من الحجم المتوسط يباع بأكثر من 20 ألف دينار مما يعني دفع أجرة شهر بأكملها بالنسبة للمواطن البسيط لاقتناء أضحية يرسم بها بسمة وفرحة أطفاله حتى لا يُحرموا منها. ومن خلال هذه التطورات التي حصلت على مستوى أسواق الماشية هذا العام أردنا أن نستقصي الوضع من مصدره الرئيسي فكان لنا ذلك من خلال توجهنا إلى أحد الأسواق بالعاصمة التي بدأت في عرض ماشيتها في كل من سوق (أولاد فايت) وسوق (بابا أحسن). وخلال حديث لنا أجريناه مع أحد الموالين الذي كان متواجدا بالسوق محاولين معرفة الأسباب التي أدت إلى هذا الارتفاع غير المعهود، هذا الأخير الذي اكتفى بتقديم إجابة جد محدودة: (بالنسبة لي الأسعار معقولة) يحدث هذا في الوقت الذي تردد فيه موالون آخرون في تنويرنا بينما صرخ البعض الآخر في وجوهنا، حيث اتخذوا من غلاء الأعلاف حجة جاهزة لاستنزاف جيوب المواطنين بقولهم (أين كنتم ونحن نتعرض لكافة أشكال الابتزاز وغلاء الأعلاف الذي استنزف جيوبنا طيلة الأوقات الماضية من أجل الحرص على إشباع المواشي بالرغم من الاستغاثات المتعددة التي تقدمنا بها إلى المصالح المختصة لمساعدتنا؟ أين كنتم عندما كان القنطار الواحد من الشعير يشترى بأكثر من 4000 دج في الوقت الذي لا يتعدى سعره لدى دواوين الحبوب والبقول الجافة 1500 دج للقنطار الواحد؟) ليتدخل موّالٌ آخر قائلاً: (الأسعار الحالية هي الأسعار التي يفرضها السوق فنحن نتماشى وفقا لما يقتضيه هذا الأخير فإذا كان سعر الكبش قد كلفني أنا شخصيا أكثر من 28000 دج بين العلف والدواء طيلة فترة تربيته دون نسيان التعب والمجهود الجسدي الذي أقوم به أو أجرة العامل الذي يساعدني في الاعتناء بالقطيع وأمام كل هذا فما هو السعر الذي أبيع به؟) إذا هي عراقيل وصعوبات جمة تقف حجر عثرة في سبيل تطوير الإنتاج والرفع من المردودية. والأمر الملفت للانتباه أن أسواق الماشية قد أصبحت مرتعا للسمسرة والمضاربة، وبات الغلاء على لسان كل مرتاديها ولم يعد الأمر يقتصر على عيد الأضحى فقط بل الظاهرة ميزت أيام السنة كلها نظرا لغياب قوانين تنظم مثل هذه الأسواق، ففي الوقت الذي كان فيه خروف الأمس لا يتجاوز 15 ألف دينار في أحسن الأحوال أصبح اليوم محل تفاوض وبسعر تجاوز سقف 25 ألف دينار، أما بالنسبة للكباش المعروف بجودتها ذات القرون الملتوية والبنية الضخمة فقد أخذت حصة الأسد بتصدرها الصدارة خاصة الضخمة منها الآتية من ولاية الجلفة المعروفة بسلالة (تعظميت) العالمية أو كباش ولاية بسكرة هذه الأخيرة التي لا يراها الإنسان البسيط إلا في أحلامه فهي أسطورة بالنسبة إليه. والأمر الآخر الذي شد انتباهنا هو تخصيص زوايا من السوق لبيع الماعز التي أصبحت في الوقت الحالي تنافس الكباش خاصة عند المواطن البسيط بعد أن صدت الأبواب في وجهه، هذه الأخيرة (الماعز) تقيه اللهفة والفرجة على أسعار رؤوس الأغنام، في الوقت الذي وجد فيه الموظف نفسه بين خيارين أحلاهما مر إما المجازفة بأجرة شهر كاملة لشراء شبه خروف وإما اللجوء إلى الاقتراض أو ما يعرف بالشراء عن طريق التقسيط الذي تضعه بعض المؤسسات تحت تصرف الموظفين باعتباره الحل الأنسب الذي تلجأ إليه هذه الفئة الواسعة من المجتمع حيث، يتوجه الكثير من الموظفين إلى التقسيط، وفي هذا الصدد يقول أحد الموظفين: (لا يمكن بأي حال من الأحوال وبهذا الراتب تأمين ولو الماعز نظرا للغلاء الذي جاوز حدود المعقول، حيث وصل سعر الكباش إلى 60 ألف دج فما فوق حسب نوعية وأحجام الأغنام خاصة بعد أن اختفت مساعدات الشؤون الاجتماعية التي كانت تتولى مهمة تأمين أضحية العيد للموظفين).