كان ابن تيمية الملقب ب (شيخ الإسلام)، يرى أنه لا خروج من الأوضاع المؤسفة التي تمر بها الأمة الإسلامية إلا بالرجوع إلى ما كان عليه السلف الصالح، وتعلم العلم الشرعي من منبعيه الكتاب والسنة واقتفاء آثار الأولين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم، وعلى هذا النهج سار شيخ الإسلام طوال حياته. هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن الخضر بن محمد بن تيمية الحراني، وكنيته أبو العباس، وقد عاش ابن تيمية في عصر كثرت فيه الفتن، حيث كانت الأحوال السياسية مضطربة وتفرقت فيه كلمة المسلمين، مع تكالب الأعداء على أمة الإسلام، فتعرض المسلمون لموجات غزو التتار من الشرق والغزو الصليبي من الغرب، ووسط هذه الظروف والأوضاع المؤسفة انكب أبن تيمية على طلب العلم النافع فتفقه وتعلم. وبدأ شيخ الإسلام في تعليم المجتمع من حوله فالتف حوله طلبة العلم من كل حدب، وكانت له مناظرات ومجالس في المحافل يرد على أهل الأهواء والمنحرفين عن جادة الحق إذ أنه كان حريصا على تصفية ما علق في دين الناس من الشوائب وتقوية الداخل وتنقيته، وقد علم بأنه لا نصر للأمة وهي تتعبد بغير ما شرعه لها ربها عز وجل. مؤلفاته وضع ابن تيمية مجموعة كبيرة من المؤلفات منها رسالة في منهاج التفسير وكيف يكون، والإيمان الكبير، والإيمان الأوسط، والاستقامة، والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ورسالة في علم الباطن والظاهر، وقاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، والعقيدة الواسطية، ورسالة مراتب الإدارة، ومعارج الوصول، والسياسة الشرعية لإصلاح الراعي والرعية. وفي 27 من ربيع الأول سنة 699 هجرية دخل التتار بقيادة قازان دمشق بعد معركة هُزم فيها المسلمون فعاثوا فيها فسادا، فاجتمع شيخ الإسلام ببعض أعيان البلاد واتفقوا على الذهاب إلى قازان والتحدث معه، فلما وصلوا إليه قابله شيخ الإسلام وطلب منه الأمان لأهل دمشق وردّ الأسرى من المسلمين وأهل الذمة ثم كلمه بقوة وشجاعة وشنَّع عليه ما يفعله بالمسلمين ونقضه العهود معهم، حتى خاف عليه الحاضرون من بطش قازان لما يعلمون من سطوته وشدته، ولكن الله قذف الرعب في قلب قازان لما رأى ثبات شيخ الإسلام ورباطة جأشه، فسأل عنه فأخبر بما عليه شيخ الإسلام من العلم والعمل فقال قازان: (فاني لم أرَ مثله، ولا أثبت منه قلباً، ولا أوقع منه حديثاً في قلبي، ولا رأيتني أعظم انقياداً لأحد منه). حث على الجهاد حض ابن تيمية سلطان مصر على الجهاد ورغب الناس فيه لما قدم التتار مرة أخرى سنة 702 هجرية فسيَّر السلطان جيشا كان ابن تيمية فيه وانتصر المسلمون في تلك الموقعة، وذلك في الثاني من رمضان سنة 702 هجرية. أما مناظرات الشيخ فكثيرة، منها أنه لما طلب رضي الدين الواسطي الشافعي، من شيخ الإسلام بأن يكتب له عقيدة تكون عمدة له ولأهل بيته، وهي ما تعرف بالعقيدة الواسطية، فكتبها الشيخ فانتشرت بين الناس، فثار أهلُ الفرق الأخرى، فسعى هؤلاء إلى السلطان، فأمر السلطان بجمع القضاة والمفتين والمشايخ والعلماء وكان ذلك يوم الاثنين الثامن من رجب سنة 705 هجرية، فقرأت الواسطية بحضور أمير الشام، فأخذ المخالفون يناظرون الشيخ ويناقشونه والشيخ يرد عليهم ويناظرهم ويبين لهم بأن هذه العقيدة هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وهي التي يدل عليها الكتاب والسنة وإجماع السلف وكان يلزمهم بنصوص الوحي، فلا يستطيعون الرد، ويدعوهم للتمسك بمذهب السلف الصالح، وأنه لم يضع هذه العقيدة من ذات نفسه، وليس لأحد أن يشرِّع للناس ما لم يأذن به الله، وإنما تؤخذ من الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، وعُقد لهذه المناظرة عدة مجالس إلى أن أقر القوم بالعقيدة الواسطية، وأخذ بعضهم يثني على الشيخ ويمدحه. ابتلاءات ابتلي ابن تيمية مرات عديدة وذلك بأن دعوة الشيخ قد صادفت صنوفا من الأعداء والأهواء التي أزعجها نهج شيخ الإسلام الذي يدعو للرجوع بالدين لمنهج السلف الصالح، ومن ذلك أنه سجن مرات عديدة منها سجنه في سجن القضاة في مصر سنة 707 هجرية، وسجن أيضا في سجن الإسكندرية، وسجن في قلعة دمشق عدة مرات كان آخرها سنة 726 هجرية، وكان أينما سُجن يحوِّل تلك السجون إلى مدارس يعلِّم فيها المسلمين أمور دينهم ويغيِّر فيها المنكرات ويحذرهم من البدع، وكان يقول مقولته المشهورة: (ما يصنع أعدائي بي؟ إن جنتي وبستاني في صدري، أين رحت فهي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة). وفي التاسع من جمادى الآخرة سنة 728 هجرية مُنع الشيخ من أدوات الكتابة، وأرسلت جميع مسوداته وأوراقه إلى المكتبة العادلية، وكان ذلك في نحو ستين مجلدا، فصار يستخدم الفحم للكتابة، ولكن ذلك كان له صدمة عنيفة آلمته كثيراً، وتوفي في 20 من ذي القعدة سنة 728 للهجرة. * كان أينما سُجن يحوِّل تلك السجون إلى مدارس يعلِّم فيها المسلمين أمور دينهم ويغيِّر فيها المنكرات ويحذرهم من البدع، وكان يقول مقولته المشهورة: (ما يصنع أعدائي بي؟ إن جنتي وبستاني في صدري، أين رحت فهي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة).