لا يمكن أن نذكر السهرات الرمضانية من دون أن نذكر اللعبة الأكثر شعبية بين النسوة في الجزائر ألا وهي لعبة البوقالة كموروث شعبي بارز بالنظر إلى الأهمية الكبرى التي تحظى بها لعبة "البوقالة" كلما حل الشهر الكريم، فهي عماد السهرات الرمضانية التي كانت في الماضي فوق أسطح القصبة العتيقة أو في وسط دويراتها ومنازهها، ولازالت إلى حد الآن تنفرد بتلك الأهمية بين النسوة في اغلب ولايات القطر الجزائري وان تنوعت أبياتها الشعبية فكلها تدور في فحوى الفأل الحسن والحلم والأمل بين النسوة لاسيما العازبات منهن. نسيمة خباجة وتجدر الإشارة أن أصل اللعبة ونشأتها يبقيان مجهولين بحيث لم يتمكن أي باحث إلى يومنا هذا، بالرغم من الجهود التي بذلت في هذا الشأن، من تحديد هوية مؤسس هذه اللعبة بما في ذلك تاريخ نشأتها ومكانها وأصل الأبيات المتلوة فيها، وبقي لزاماً علينا أن نتيقن من أنها موروث شعبي جزائري محض بالنظر إلى طبيعتها وأبياتها المسترسلة التي عادة ما تعتمد على الدارجة أو العامية الجزائرية مما يعبر على بساطة متداوليها من السلف. وعادة ما تتكفل السيدات المسنات بقراءة تلك البوقالة على مسامع الفتيات اللواتي يرتبطن ويداومن على تلك اللعبة الباعثة على الأمل والحلم بالفرج القريب، وتتطلب تلك اللعبة كما يعلمه الجميع أجواءً خاصة تستنبط منها خصوصية اللعبة فهي عادة ما تقترن بالسهرات الرمضانية أو بالسهرات المعقدة بين الأقارب بمناسبة حفلات الزفاف وعادة ما تتم حول مائدة السهرة حيث تتربع صينية الشاي والقهوة وكذا الحلويات المعسلة المرتبطة بالسهرات على غرار القريوش والمحنشة والبقلاوة والمقروط. والبوقالة كلعبة تراثية هي عبارة عن مجموعة أشعار شعبية جزائرية تشكل أساس ما يعرف منذ التاريخ القديم بالعاصمة الجزائر بالبوقالة، تشاع في الأوساط العائلية النسوية، وغالبا ما يكون فحواها حول الحب العفيف والحزن على فراق الأحباب والخلان والأمل بعودتهم. وتتطلب لعبة البوقالة تحضير الأجواء الحميمية الملائمة التي تساعد المُشاركات فيها على فتح مخيلتهن وفسح خواطرهن وشرح صدورهن للفال الطيب والأمل والرجاء والحلم، كما أن اسمها مأخوذ من اسم إناء فخاري وهو البوقال الذي عادة ما يستعمل في اللعبة وتلعب النية دورا هاما في البوقالة بحيث تعقد النسوة البوقالة و"تنويها" كما يقال في العامية بما يشغل بالهن في تلك اللحظات كالزوج أو الابن أو الأخ أو الأخت الحاضرين أو الغائبين. العقدة والبوقال ومن أبجديات اللعبة أن تمسك الفتاة بجزء من خمارها أو تنورتها أو أي قطعة قماش وتصنع على حوافها عقدة صغيرة ليتم فتحها بعد أن تستمع إلى البوقالة، ولها الحرية في أن تخبر من حولها عن اسم الشخص الذي أسقطت عليه الفال أو أن تمتنع عن ذلك. ولعل الكثير من فتيات اليوم لا يبحن بذلك كون أن ذلك يدخل في خصوصيات الفتاة التي لا تستطيع الكشف عنها أمام جموع النسوة من أقارب وجيران، إلى جانب حضور البوقال وهو عبارة عن إناء فخاري عادة ما كانت تستعمله النسوة في الماضي لاستكمال أساسيات اللعبة، وكن يحرصن حرصا على توفير كل تلك المستلزمات للقيام بتلك اللعبة المسلية. إلا انه حاليا فقدت تلك الامتيازات التي كانت تحظى بها اللعبة على الرغم من تمسك العديد من العائلات العاصمية بها في الأحياء الشعبية على غرار باب الوادي والقصبة العتيقة وباب عزون، ولا يقتصر الأمر على العاصمة بل تعدت البوقالة حدودها إلى كامل ربوع الوطن وشملت العديد من الولايات على غرار البليدة ومنطقة القليعة كونهما من المناطق التي أبت إلا المحافظة على كل ما هو عريق. لكن هذا لا ينفي أن اغلب العائلات على الرغم من محافظتها على اللعبة وحفظها من طرف النسوة والفتيات عن ظهر قلب إلا أنها جردت من الإناء الفخاري ومن بعض الشكليات التي كانت تحكمها ومن العائلات من التزمت فقط بتلك العقدة التي تُعقد على مستوى الخمار غالبا ويتمّ فتحها بعد الاستماع إلى البوقالة وسهولة فتح العقدة يشير إلى الفأل الحسن أما صعوبة فتحها فتشير إلى العكس، وبسبب ذلك من الفتيات من يتعمدن ربطها ربطا خفيفا لتسهيل عملية الفتح فيما بعد ولكي لا يورطن نفسهن بعد استعصاء فتح العقدة كون أن ذلك يؤثر عليهن بالسلب ويعكر مزاجهن فالفال الحسن هو في الفتح السهل للعقدة. شهادة نساء الأمس وعن هذا قالت الحاجة عزيزة القاطنة ببلكور أن البوقالة على الرغم من الاحتفاظ بها إلى غاية الآن إلا أنها فقدت الكثير من أساسياتها التي كانت تعد جزءا لا ينبغي الاستغناء عنه فيما مضى على غرار البوقال المتبوع بالفحم والخاتم بحيث كانت تجمع خواتم الحاضرات في ذلك البوقال. وبعد الاستماع إلى البوقالة تتكفل فتاة صغيرة بسحب إحدى الخواتم من البوقال لكي يكون فال البوقالة على صاحبة الخاتم. وتكمن متعة البوقالات حسب إسقاط معاني تلك الأشعار الشعبية التي تلقيها في العادة عجوز طاعنة في السن على النسوة الحاضرات وتقضي قواعد اللعبة أن تنوي البنات عقد النية على شخص، وان يعقدن جزءاً من ملابسهن سواء خمارهن أو حزام تنورتهن وتقوم العجوز بترديد البوقالة وكل البنات مصغيات فإذا كانت البوقالة فالها حلواً تجد كل الفتيات متشوقات حتى يعرفن من هي صاحبة البوقالة الجميلة وإذا كان كلامها به فأل سيء أو حزين تجد كل واحدة خائفة من ان تكون هي صاحبة البوقالة، وبعد الاستماع تخرج إحداهن أو إحدى البنات الصغيرات خاتما من إناء البوقالة وتقع البوقالة على صاحبة الخاتم. وفي اغلب الأعراس أصبحوا يقدمون البوقالات في وريقات صغيرة توزع على البنات والنساء الحاضرات كتسلية في الأعراس وكل واحدة تقرأ فالها. البوقالة تسلية وليست شعوذة عادة ما تفتتح البوقالة بالتعويذة والصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام مما يجعلها بعيدة كل البعد عن أعمال السحر والشعوذة والتكهن بحيث تسترسلها نسوتنا بالقول "باسم الله بديت وعلى النبي صليت وعلى الصحابة رضيت وعيّطت يا خالقي يا مغيث كل مغيث يا رب السماء العالي" لتبدأ بعد ذلك في إسماع البوقالة على النسوة، ولفك كل الالتباسات والشبهات ألغيت من قاموس البوقالات الجزائرية حتى تلك البوقالات المتضمنة لأبيات موجهة للدعاء للأولياء الصالحين الناجم عن جهل العوام، بحيث يكون لها معنى مستقيم لا يخدش الشعور التوحيدي القاطع الذي يقوم عليه الإسلام. ويبقى جزء هام من التراث الشفوي الجزائري زاخراً بالجواهر الأدبية الشعرية من أمثال وحكم وأغان وقصائد وتعابير وأحاجي، فالبوقالة كما يعلمه الجميع لا تعدو أن تكون لعبة شعبية موروثة عن سلفنا لا أكثر ولا اقل تتسلى بها الفتيات والنسوة خاصة في السهرات لاسيما الرمضانية منها وباتت كذلك الحاضرة الأولى في الأعراس الجزائرية فهي تبعد كل البعد عن أعمال السحر والشعوذة التي نهانا عنهما دينُنا الحنيف لذلك وجب عدم تجاوز الأطر المعقولة للعبة الأكثر شعبية بالنظر إلى اتساع رقعتها وانتشارها في كامل ولايات القطر الجزائري.