يتحدث الكثيرون عن الأسباب المساهمة في الارتفاع الرهيب لحوادث المرور التي باتت تحصد الكثير من الأرواح بسبب العامل البشري والسرعة المفرطة ووضعية الطرقات دون الإشارة إلى الأسباب الأخرى التي بات دورها فعال في تضخيم إحصائيات حوادث المرور، ألا وهي المتاجرة والبزنسة الحاصلة في منح رخص السياقة وبيعها، أو انتشار ما يعرف ب (البارمي أَسُورِي) باللهجة العامية، أو رخصة السياقة المضمونة والتي شاعت بين المترشحين لنيل تلك الرخصة بعد أن تعاملت بها بعض مدارس السّياقة ورمت عرض الحائط بكل الإفرازات السلبية لتلك الخطوة، دون التفكير أن ذلك الأسلوب من شأنه أن يزيد في اتساع قائمة حوادث المرور. قد يجهل الكثيرون معنى (بارمي أَسُورِي) ولا يعلم معناه إلا المغامرون بأرواحهم وأرواح غيرهم من البشر، دون أن ننسى بعض مدارس السياقة التي لها ضلع في تلك الجرائم والسلوكات السلبية. وعلى الرغم من الأصوات المنادية بالحد من إرهاب الطرقات استمرت بعضها في انتهاج تلك الممارسات المشينة التي تساهم بقسط كبير في انتشار حوادث المرور على مستوى الطرقات، وتفيد العبارة، أن المترشح هو من الناجحين منذ أول تعارف بينه وبين صاحب مدرسة السياقة وفق مسلمة أو فرضية (بارمي أَسُورِي)، أي أن المترشح تمنح له رخصة السياقة سواء كان من الناجحين أو الفاشلين، الأمر الذي أدى بالمترشحين إلى جعله كأول سؤال منذ وطء أرجلهم مدرسة السياقة، والمتعلق أساسا بالاستفسار عن نوعية الرخصة وهل هي مضمونة أي (أَسُورِي) أم لا؟! وإن نظرنا من جانب المترشحين، فالدافع المادي أو ارتفاع أسعار امتحانات الرخص بكل أنواعها هو ما أدى بهم إلى السؤال خوفا من ضياع المبلغ الهام، ولا يهمهم بعد ذلك تعلم السياقة من عدمها فالمهم الخروج برخصة بعد وقت قصير والمغامرة بأرواح الناس في الطرقات. وبالفعل هناك من العينات من أكدت الظاهرة، بل هناك حتى من لم يطؤوا تلك المدارس ومنحت لهم الرخصة مقابل المال، أما إذا نظرنا من جانب مدارس السّياقة، فإن بعضها يهدف إلى تحقيق الأرباح بالحصول على أكبر عدد من المترشحين، مما يؤكد البزنسة الحاصلة ببعض المدارس التي وضعت أولى غاياتها الربح. في هذا الصدد اقتربنا من بعض المواطنين لرصد آرائهم، وكذا الاستفسار عن مدى معرفتهم ل(البارمي المضمون) الذي شاع بين الكثيرين ممن يبتعدون عن تحمل المسؤوليات بترددهم على مدارس السياقة لأخذ الدروس، واتباع الإجراءات الطبيعية لنيل رخصة السياقة، فجهل بعضهم فحوى (بارمي أَسُورِي) وعلم به بعضهم الآخر، وعبروا في نفس الوقت عن دهشتهم لانتهاج تلك السلوكات اللامعقولة، فكان منهم السيد علي الذي قال أن الكثيرين يفضلون ضمان أخذ الرخصة مقابل دفعهم للمبلغ الكبير الذي تقتضيه الامتحانات. ورأى أن ذلك يهدد الكل في ظل الارتفاع الرهيب لحوادث المرور، واستغرب كثيرا من إفصاح البعض عن رغبتهم في أخد الرخصة من دون تعلم القيادة وأخذ الدروس الضرورية لضمان سلامتهم وسلامة الآخرين أثناء القيادة، فشراء الرخصة من دون تعلم القيادة فيه مغامرة بالأرواح. التقينا بعينة أخرى أدهشتنا كثيرا، وهو شاب في العقد الثالث من العمر، قال أنه استلم الرخصة ولم تطأ قدماه مدرسة تعليم السياقة، إلا أنه كان من الناجحين، وأول رحلة قطعها كانت لمسافة طويلة إلى ولاية تبعد عن الجزائر العاصمة. وأضاف أن ما ساعده هو تدربه على قيادة السيارات منذ أن كان في سن السابعة عشر من العمر، إذ كان يقود سيارة أبيه وكذا أصدقائه متى أتيحت له الفرصة لذلك. أما منال، وهي طالبة، تأخذ دروس في السياقة، فقالت أنها على علم ب (بارمي أَسُورِي) بل اصطدمت مؤخرا بأحدهم وهو يستفسر حوله، وسمعته وهو يتلفظ حول مدى ضمان أخد الرخصة في حال الرسوب في الامتحان النهائي، إلا أن صاحب المدرسة نهره وأعلمه أنهم ليسوا بصدد بيع السلع بل هم مشرفون على رخص يضمنون بها سلامة الأرواح. وبينت أنها ضد تلك الأساليب الخطيرة التي تجاوزت خطوطها الحمراء، ولحقت الآفة حتى إلى رخص السياقة التي كان من الواجب أن لا تلحقها تلك الشبهات. مدارس تتبرأ في جولة لنا عبر بعض مدارس السياقة في العاصمة، نفت بعضها الظاهرة، فيما أكدتها مدارس أخرى، وألقت باللائمة أيضا على المترشحين الذين يهدفون إلى شراء الموت دون أن يكلفوا أنفسهم متابعة دروس السياقة بكل أنواعها، ولم تعد الآفة متعلقة فقط بالقيادة الخفيفة، بل قفزت الظاهرة إلى قيادة المركبات ذات الوزن الثقيل بما فيها الشاحنات بكل أنواعها وحافلات النقل التي أضحت محل مساومات بما لا يتوافق مع طبيعة الوضع وإفرازه لمخاطر جمة على منتهجيه وعلى الآخرين، حيث يتلهف البعض على شراء الرخصة دون حاجتهم إلى تعلم القيادة أو متابعة الدروس أو حتى شراء الرخصة من بعض المدارس التي أقحمت البزنسة حتى في هذا المجال الحساس ورمت بأرواح الناس عرض الحائط. وقد أكد لنا صاحب مدرسة لتعليم السياقة على مستوى المرادية بالعاصمة، حيث قال أنه لا ينفي الظاهرة كما لا يبعد اللوم على المترشحين الذين يذهبون إلى الاستفسار عن مدى انتهاج بعض المدارس لتلك الطرق الملتوية في منح الرخص، وأنه كانا شاهداً على الكثير من تلك العينات، حيث ما إن يدخل الزبون إلى المدرسة للاستعلام عن بعض الخطوات الأولية في تكوين الملف حتى يربط ذلك بسؤال بات يتكرر على أفواه الكثيرين، يتعلق بمدى ضمان صاحب المدرسة للمترشح أخذ الرخصة سواء كان ناجحا أم فاشلا، وهو ما يتلخص في مفهوم (بارمي أَسُورِي) وهي عبارة يدهش لها الكثير من أصحاب مدارس السياقة كونها كثرت في الوقت الحالي، وأرجع السبب إلى وجود بعض المدارس التي تخضع إلى تلك المساومات وتقضي بذلك على نزاهة الواجب في ظل الارتفاع الرهيب لحوادث المرور، وختم بضرورة التصدي إلى تلك المدارس عن طريق فتح أعين الرقابة والتكثيف من دورات التفتيش من طرف الهيئات المختصة.