قال عليه الصلاة والسلام: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) وقال سبحانه: (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ) النساء:36. اعلموا: أن الجار حقه عظيم، (الجار ولو جار) والعرب جعلت ذلك مثلاً، قالت آسية امرأة فرعون كما قال ابن القيم : سبحان اللّه! طلبت الجار قبل الدار قالت: (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِالظَّالِمِينَ). التحريم:11 فطلبت جوار اللّه قبل تلك الدار، قال أحد الشعراء يوم دفن ابنه: جاورت أعدائي وجاور ربّه شتان بين جاره وجواري الجوار تعامل، وذوق، وأخلاق، وإيمان من حق الجار: ألا تؤذيه، وألا تتعرض لحرمه، ولا تنظر إلى عوراته، ولا تكشف ستره، ولا تنهش عرضه، وإن احتاج إليك أن تواسيه، وإن طلبك مالاً وعندك مال فاعطه، وأن تسر لسروره وأن تحزن لحزنه، وأنا أذكر نماذج في حديث حسن ويضعفه بعض العلماء: ( ن رجلاً أتى إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلم قال: يا رسول اللّه! جاري آذاني، قال: اصبر واحتسب، فصبر فزاد جاره من الإيذاء، قال: يا رسول اللّه! جاري آذاني، قال: خذ متاعك وأهلك وانزل إلى السكة في الطريق، فنزل بأهله فمر الناس على ذاك الرجل فقالوا: مالك؟ قال: أخرجني جاري من داري، قالوا: لعنه اللّه، فكان المصبح يلعنه والممسي يلعنه، فلما سمع جاره أتى إليه قال: عد واللّه لا أعود). كان جار ابن المبارك يهودياً، ابن المبارك المجاهد الزاهد العابد الرائع العلامة الذكي الغني، الباذل نفسه في سبيل اللّه صاحب القصيدة الجميلة: (يا عابد الحرمين لو أبصرتنا) كان جاره يهودياً، كان ابن المبارك إذا اشرى لحماً بدأ بجاره اليهودي، وإذا اشرى فاكهة أعطى أطفال اليهودي، وإذا اشترى ملابسا كسا أطفال اليهودي، وفي الأخير أتى تجار لليهودي قالوا: نشتري دارك التي بجوار دار ابن المبارك ، قال: داري بألفي دينار، ألف قيمة الدار، وألف قيمة جوار ابن المبارك ، قال ابن المبارك لما سمع: لا تبعها وهذا ألف دينار، ثم رفع ابن المبارك يديه ودمعت عيناه وقال: اللّهم اهده إلى الإسلام فأتى في الحال وقال: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمداً رسول اللّه، ثم يقول: واللّه إن ديناً أخرجك لدين حق. إي واللّه، الدين المعاملة، أجدادنا فتحوا كثيراً من الدنيا بالمعاملة، إندونيسيا و ماليزيا لم تفتح بالسيف، بل فتحت بالجوار، بالمعاملة، بالصدق، فيا إخوتي في الله! اللّه اللّه في الجار، (الجار ولو جار) يقول عنترة الوثني يمدح نفسه: وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى تواري جارتي مأواها يقول: من كرمي ومن شيمتي أن جارتي إذا خرجت من بيتها أغض طرفي حتى تعود إلى بيتها، هذا هو الجوار: ألا تفتح نافذة تكشف بها جارك إذا تضرر منها، ألا ترفع صوت المذياع على جارك، ألا تنهره، ألا تسبه، ألا تتسخط على أطفاله، ألا تكون حرباً له، ألا تضايقه في سكة أو طريق، أو شارع أو ممشى، أو بيت أو نافذة أو ما في حكمه.. * من دروس الشيخ عائض القرني عن مجموعة (في خمس دقائق) الإلكترونية