استغلال بشع ومخاطر متربصة من كل جانب ظروف عمل مزرية ورقابة غائبة في ورشات البناء يعد قطاع البناء من بين القطاعات التي تشهد فئاته العمالية تدنيا في مستوى التمتع بالحقوق في ظل الواجبات المتراكمة ومخاطر العمل التي تتربص بالعمال من كل جانب على مستوى الورشات، بحيث تسجل حوادث الوفيات في كل مرة بسبب السقوط من علو مرتفع أو سقوط بعض الآلات الثقيلة على البنائين، وللأسف لا يقابل تلك الواجبات المفروضة أدنى الحقوق من خلال الممارسات التي يتكبدها عمال الورشات والغبن والحقرة التي يتعرضون لها على أيادي بعض أرباب العمل الذين غابت معاني الإنسانية والرحمة عن بعضهم. تنتشر ورشات البناء على مستوى القطر الوطني وفق ما تحكم به المشاريع السكنية الضخمة التي سطرها فخامة رئيس الجمهورية في إطار برنامجه الضخم، وتفرض تلك الورشات كما يعرفه الخاص والعام تشغيل عمال متخصصين في البناء والترصيص والكهرباء بما تتطلبه تلك المشاريع، وعادة ما تقف على رأس تلك المشاريع شركات خاصة قد تكون أجنبية أو محلية، بحيث يتكفل المقاولون بجلب عمال وتشغيلهم على مستوى تلك الورشات وتناط بهم مسؤوليات كبرى لإنجاز واستكمال المشروع في ظرف قياسي تلك الواجبات التي لا تقابلها في معظم الأحيان حقوق، والواقف على أوضاع تلك الورشات التي تنتشر هنا وهناك تظهر له الوضعية المزرية التي يتخبط فيها العشرات من العمال. الحجم الساعي للعمل يفتك بصحة العامل يضع أغلب المقاولين انتهاء المشروع في أوانه نصب أعينهم الأمر الذي يدفعهم إلى استغلال جهود العمال ونخر قواهم، بحيث يتعدى الحجم الساعي للعمل ببعض الورشات 250 ساعة على الرغم من أن القوانين المنظمة للعمل تقر أنه وجب أن لا يتجاوز الحد الساعي 173 ساعة كأقصى حد، بحيث تستغل الحالة الاجتماعية المزرية لبعض العمال الوافدين من ولايات بعيدة بغية العمل، لفرض وتيرة عمل مضاعفة عليهم من دون المطالبة بالراحة، وهناك بعض الورشات من تشغل العمال حتى في الأعياد والمناسبات الدينية ولا يحق للعامل إلا الاستفادة من يوم بدل يومين، فانتهاء المشروع هو الأهم خصوصا وأن العمل على مستوى الورشات يتطلب مجهودات مضاعفة تفرض على رب العمل منح عطل دورية للعامل عن طريق التناوب ذلك ما نراه غائبا على مستوى الورشات بعد أن رفع أرباب العمل شعار العمل ثم العمل ولا وجود للراحة على مستوى أغلب الورشات المنتشرة عبر الوطن. ورشات تشغل القصر بأجر يومي بعد غوصنا في عالم ورشات البناء وزيارتانا لبعضها على مستوى الشراقة وبابا حسن وبئر توتة وأولاد فايت، ما وقفنا عليه أن من الورشات من تستغل القصر في تلك الأعمال الشاقة والتي لا يتحملها الكبار إلا بعد جهد كبير فما بالنا بالصغار التي تنص كامل القوانين والأعراف الدولية على حمايتهم، إلا أننا نجد أن بعض الورشات قد سارت عكس الخط وراحت تستغل البراءة في تلك المشاريع على الرغم من الأخطار المتربصة بهم هناك، بحيث تذهب إلى تزويدهم ببعض من المال واستغلال مجهوداتهم ما وضحه لنا عمال ورشة على مستوى بئر توتة إذ استغربوا من تشغيل رب العمل لأطفال في سن السادسة عشر بعيدا عن أعين الرقابة مستغلا حاجتهم إلى العمل وعوزهم، بحيث لا يتعدى المبلغ اليومي 400 دينار كأقصى حد مقابل 12 ساعة من العمل أو أكثر مما يؤكد الاستغلال البشع الذي يطلقه بعض أرباب العمل باتجاه الأطفال اللاهثين وراء الكسب بعد أن قذفتهم أبواب المدارس، وعلى العموم فإن عمالة الأطفال القصر كظاهرة سلبية نجدها تنتشر عبر الورشات، بحيث تشغل بعض الورشات أطفالا يتراوح سنهم ما بين 14 و18 سنة في ظروف مزرية وتكون أجورهم اليومية غير متوافقة والمجهودات التي يقدمونها. مخاطر بسبب نقص معدات العمل كما يعلمه الجميع العمل بورشة بناء يستلزم توفير أغلب المعدات التي تضمن سلامة العامل هناك لاسيما وأن ظروف الخطر تتربص بالعامل من كل جانب، فتوفير الألبسة وقفازات البناء، وكذا القبعات التي تحمي العمال صيفا وشتاء والأحذية الثقيلة هي كلها وسائل من شأنها أن تضمن سلامة العمال على مستوى الورشات، إلا أنها وللأسف من الأمور التي تغيب على مستوى أغلب الورشات التي احتككنا بها، فغالبية العمال يعملون بملابس عادية وبسراويل الجينز والبذلات الرياضية وحتى الخفة (الكلاكيت) كانت حاضرة بقوة على مستوى أغلب الورشات مما يؤكد تدهور ظروف العمل والمخاطرة بالعمال واستغلال ظروفهم الاجتماعية لأجل انتهاك حقوقهم، من دون أن ننسى غياب طب العمل على مستوى بعض الورشات وهي الأمور التي أدت إلى تخليف حوادث مميتة على غرار السقوط من علو مرتفع نتيجة انعدام أحزمة الأمن وسقوط بعض الآلات الثقيلة على العمال وتخليف حوادث متفاوتة الخطورة قد تصل إلى حد الموت. كيس حليب و"خبزة" لاسترجاع الطاقة! على الرغم من المجهودات التي يقدمها عمال الورشات في استكمال مشاريع البناء إلا أن أغلب الأجور التي يستلمونها شهريا هي زهيدة ولا تتوافق مع التعب والمجهودات التي يقدمها أغلب العمال مما أفرز تدهور الحالة المادية لأغلب هؤلاء خصوصا الوافدين من مناطق بعيدة وفرضت عليهم ظروفهم الاجتماعية والأسرية الصعبة تقديم كل صحتهم ومجهوداتهم مقابل استكمال معركة الحياة التي صارت جد مستعصية، وبعد احتكاكنا بالعديد من الورشات ما وقفنا عليه أن معظم الوجبات التي يتقوت بها هؤلاء العمال لا تتعدى كيس حليب وخبزة، أو وجبة باردة لا تخرج عن الجبن والكاشير وهي وجبة لا تعوض العامل بالورشة بالطاقة نتيجة الجهود المبذولة هناك ما وضحه لنا عمر في العقد الرابع من ولاية ورقلة يعمل بورشة على مستوى بابا علي قال إنه يتعب كثيرا خلال اليوم بعد أن تتعدى ساعات عمله أحيانا 12 ساعة، وعن الوجبات قال إن الأجر الزهيد الذي يذهب كاملا إلى العائلة لا يمكنه إلا من التخفيف من وطأة الجوع باقتناء بعض الوجبات الباردة في الغذاء وكذلك الحال في العشاء، وعن درجة الشبع قال إنها وجبات لا تسمن ولا تغني من جوع على حد قوله إلا أنه لا بديل آخر له. لجان مفتشية العمل في خبر كان رغم الظروف التي يمر بها العديد من عمال الورشات والتي تفسر الظلم والحقرة التي يتكبدها هؤلاء واستنفاذ قواهم من طرف أرباب العمل والاستغلال البشع الذي يتعرضون إليه من طرف بعض الشركات المسيرة لمشاريع البناء، نلاحظ نظير ذلك السبات العميق للجان مفتشيات العمال الذي أكد أغلب العمال أن دورها غائب في الميدان على الرغم من المهام المنوطة بها في الدفاع عن حقوق العمال المغلوبين على أمرهم، لكن الكل أكد أن دورها لا يتعدى المناسبات الدينية خلال العيدين ورمضان المعظم وتكون وجهتها أبواب الإدارة بدل التقرب من العمال من أجل الوقوف على حالتهم المزرية وظروف عملهم الصعبة على جميع الأصعدة، ما أكده لنا ممثل عن العمال على مستوى ورشة بناء، إذ قال إن دور تلك اللجان غائب مما أدى إلى اتساع فجوة الخروقات القانونية لمعظم الشركات المسيرة لمشاريع البناء على حساب العمال وهضم حقوقهم واستغلالهم أبشع استغلال، وطالب الكل بضرورة استفاقة تلك اللجان ورفعها شعار حماية العمال كطبقة كادحة تستغل من طرف بعض أرباب العمل إن لم نقل أغلبهم، وكان للظروف الاجتماعية المزرية ونقص فرص العمل الدور البارز في إطلاق تلك الممارسات اتجاه عمال الورشات على الرغم من المجهودات الجبارة التي يقدمونها في استكمال مشاريع البناء والتشييد.