في ظلّ الجدل القائم حول مشروع الدستور تعطّل للحوار الوطني بتونس وإرهاب في القصرين علّقت عديد الأحزاب المعارضة في تونس مشاركتها في الحوار الوطني الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل، في الوقت الذي احتدم فيه الجدل بشأن مشروع الدستور داخل المجلس التأسيسي بين مؤيد ورافض لمضامينه. وأرجعت هذه الأحزاب تجميد مشاركتها في الحوار الوطني الذي نظمه اتحاد الشغل في 16 ماي الماضي لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء حول مسائل خلافية بالدستور وخارطة الطريق وقضايا متعلقة بالوضع الأمن والاقتصادي إلى "عدم إحراز أي تقدّم في المفاوضات". في المقابل، أكدت أطراف سياسية أخرى أنّ آلية الحوار الوطني، التي تهدف بالأساس إلى تحقيق توافق سياسي واسع، نجحت في تضمين مشروع الدستور العديد من التوافقات والاتفاقات حول بعض المسائل التي كانت عالقة. وفي هذا الشأن يقول المقرّر العام للدستور والقيادي بحركة النهضة الحبيب خضر إنّ مشروع الدستور، الذي تمّ الإعلان عليه منذ أيام، تضمّن جميع التوافقات الحاصلة في إطار الحوار الوطني الذي انعقد برعاية رئاسة الجمهورية. ومن بين التوافقات التي تضمنها مشروع الدستور، يذكر خضر إدراج حرية الضمير والمعتقد وحق الإضراب دون قيود، وإقرار نظام سياسي مختلط يمنح صلاحيات متكافئة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وتكريس مدنية الدولة. وبشأن موقفه من تعليق عديد الأحزاب مشاركتها في الحوار واحتجاجها على الإسراع في الإعلان عن مشروع الدستور قبل إمهالها وقتا كافيا للتوصل إلى توافقات جديدة، يقول الحبيب خضر إن "التجاذب سيبقى إلى آخر لحظة وهو شيء عادي لأن كل طرف يسعى لإدراج أشياء بالدستور تحقق توجهاته". وأفاد بأنّ الجلسة العامّة داخل المجلس التأسيسي حيث ستتم مناقشة الدستور فصلا فصلا في غضون أسبوعين "ستتفاعل إيجابيا" مع أي مقترحات وتوافقات جديدة قد تحصل في الحوار الوطني الذي ينتظم برعاية اتحاد الشغل. وبعد جلسات ماراثونية قرّرت قبل يومين، لجنة متابعة الحوار، التي تضمّ أبرز الأحزاب الممثلة في المجلس الوطني التأسيسي، تعليق أشغالها بسبب ما اعتبرته "مماطلة" من خلال اجتماعات مطوّلة لا تحقق المطلوب، في حين تتواصل الجهود لإعادة استئناف هذا الحوار. ويقول القيادي بالجبهة الشعبية الجيلاني الهمامي إن أحزاب الجبهة قرّرت تعليق مشاركتها بأعمال لجنة متابعة الحوار لعدم وجود "نتيجة جدية" للمفاوضات بسبب التجاذبات السياسية. وأكد أنّ لجنة متابعة الحوار لم تتوصل رغم طول المناقشات والجلسات إلى توافقات تذكر سوى "التوافق الشكلي" على تغيير تسمية المجلس الأعلى للقضاء باسم المجلس الأعلى للسلطة القضائية. ويقول هشام حسني، النائب ورئيس حزب حركة الشعب التقدمي "لقد علقنا المشاركة لأننا لم نتقدم قيد أنملة بعد سبع جلسات متتالية"، مشيرا إلى الاتفاق فقط على تسمية المجلس الأعلى للسلطة القضائية. وخلال النقاشات داخل لجنة متابعة الحوار، يقول حسني إنّ جميع الأحزاب "التزمت" بالتوصل إلى توافقات وتضمنيها بالدستور، إلا أنّ حركة النهضة صاحبة أغلبية المقاعد (89 مقعدا من جملة 217) "عرقلت المفاوضات". وأشار حسني إلى أنّ مشروع الدستور يضمّ الكثير من المسائل الخلافية بسبب بنود دستورية قال إنها تهدد مدنية الدولة والحريات ولا تضمن التوازن بين السلطات، ولا تتيح قدرا كافيا من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للشعب. غير أنّ القيادي بالحزب الجمهوري رابح الخرايفي قال إنّه تمّ فعلا تضمين أغلب التوافقات التي تمّ توقيعها بين الأحزاب في 15 ماي الماضي تاريخ الانتهاء من الحوار تحت رعاية رئاسة الجمهورية وانتقاله إلى اتحاد الشغل. وأشار إلى أنه تمّ تضمين مشروع الدستور عدّة توافقات تتعلق بحرية المعتقد وحق الإضراب ومدنية الدولة، وتبني نظام سياسي مزدوج تكون فيه سلطات رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية محددة ومتوازنة. في سياق مغاير سادت حالة من الاحتقان أول أمس الخميس مدينة القصرين غرب تونس على خلفية مقتل جنديين اثنين في صفوف الجيش بانفجار لغم، بينما رفض أهالي أحد القتيلين حضور أي وفد رسمي خلال موكب الجنازة. وأفاد الناطق باسم وزارة الدفاع العميد مختار بن نصر بأن جنديين من الجيش التونسي توفيا إثر انفجار لغم بقرية الدغرة بجبل الشعانبي التابع لمحافظة القصرين غرب تونس قرب الحدود الجزائرية. وقال بن نصر لوكالة الأنباء التونسية إن اللغم انفجر أثناء مرور سيارة عسكرية عادية، ما أدى أيضا إلى إصابة عسكريين اثنين آخرين بجروح خفيفة. وذكر راديو "موزاييك" المحلي أن أهالي أحد الجنديين القتيلين وهو من مدينة الشرايع التابعة لمحافظة القصرين أخرجوا جثمان فقيدهم بالقوة من غرفة الأموات بالمستشفى الجهوي وساروا به في جنازة رافضين انتظار حضور أي موكب رسمي عن الحكومة. وكان مقررا أن يشارك في الجنازة الجنرال رشيد عمار قائد الجيوش الثلاثة ورئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي ورئيس الحكومة. وجابت المدينة مسيرتان تنديدا باستمرار انفجار الألغام وسط حالة من الخوف في صفوف الأهالي، بينما طالب المحتجون بالإسراع في الكشف عن العناصر المتورطة في الأحداث. واعتبرت وزارة الدفاع في بيان لها أن انفجار لغم بمنطقة آهلة بالسكان يعد _تحولا خطيراص، داعية _كافة المواطنين لتوخي الحذر والتعامل إيجابيا مع القوات العسكرية والأمنية لحماية البلاد والعباد من هذا الخطر الداهمص. وارتفعت حصيلة القتلى بصفوف الجيش بجبل الشعانبي إلى ثلاثة في أقل من أسبوع. وتقوم وحدات من الجيش التونسي منذ 29 أفريل الماضي بعمليات تمشيط وتطويق واسعة بجبل الشعانبي الواقع على الحدود الجزائرية ويمتد على مساحة 100 كلم مربع، وذلك اثر انفجار عدد من الألغام زرعتها جماعات إرهابية وأصابت ما لا يقل عن 20 عونا أمنيا وعسكريا حتى الآن.