تبرز رواية (الذي لا يحب جمال عبد الناصر) كمحاولة جادة وشجاعة من القاص والروائي العماني سليمان المعمري للخوض في أكثر مناطق التوتر خطورة، وهي الحدث السياسي الآني. فعلى الرغم من أن الرواية تحاول بطريقة الفانتازيا استنهاض شخصية الزعيم التاريخي العربي الرئيس جمال عبد الناصر، لا باعتباره رئيسا لدولة ذات حدود جغرافية فقط، بل لكونه رمزا قوميا عابرا للحدود، ومحاولة الدخول بهذه الشخصية في تشابكات القضية المصرية الراهنة ومآلات الربيع العربي الذي حط رحاله في عاصمتها منتجا حكومة يقودها الإسلاميون، الخصوم التاريخيون للزعيم الراحل، فإن الأهم كان تناول الرواية للشأن السياسي المحلي في سلطنة عمان، بطريقة لا تشي بأي نوع من التحريض أو الخطابية أو التبريرية، فالكاتب أرخى عنان السرد للأحداث وشخصياتها لكي تعبر عن ذاتها عارية من أي تسيير أو تحوير. وإذا كان شرط استعادة عبد الناصر لدوره في الزمن الراهن أن يتخلى عن الكراهية، كما خيره حارس البرزخ الافتراضي لكي ينفث فيه الحياة من جديد.. كما في الرواية، فإن التسامح كان سمة عامة، ومن خلالها تمكن أن ينسج علاقات طبيعية وغير متكلفة بين الشخصيات العمانية التي لعبت دور البطولة في هذه الرواية، هذا التسامح أمكن المعمري من أن يتخطى التصنيف والتقييم لأحداث سياسية مرت بها السلطنة وشكلت لغزا أمنيا شائكا، كحادثة القبض على أعضاء تنظيم ديني (شيعي) عام 1987، وهي الأحداث التي عرفت بالتنظيم الشيرازي، نسبة إلى أعضاء ينتمون فقهيا إلى المرجع العراقي الراحل آية الله السيد محمد الشيرازي. هذا الحدث ظهر داخل الرواية كأحد الأحداث التي لم تترك أثرا على النسيج الاجتماعي هناك، مثله مثل أحداث ما عرف بساحة الشعب عام 2011، التي تغلب الروائي المعمري فيها على تبعات الحدث السياسي الراسخ في الذاكرة بكثير من الذكاء ليجعل منه محطة حراك اجتماعي لا يضعف الدولة. كانت زينب العجمي الصحافية في جريدة (المساء) أكثر الشخصيات العمانية حضورا في الرواية، اختار لها المؤلف أن تكون عنوانا للترابط بين أفراد المجتمع العماني، كما تمثل زاوية من زوايا الحراك السياسي الذي شهدته السلطنة، فزينب العجمي (شيعية) تتزوج ب(إباضي) هو خالد الخروصي، وكان والدها أحد أفراد المجموعة السياسية التي ألقي القبض عليها في الثمانينات بتهمة الانتماء إلى تنظيم محظور، وتلاقت في ظل أزمتها مع زوجها الخروصي وهو الآخر كان عضوا في تنظيم الإمامة الذي تم توقيفه 2005، وأنجبا ولدا هو (علي) الذي شارك في اعتصامات فبراير 2011 في ساحة الشعب في عمان. هذه المزاوجة الدينية والسياسية التي تتعلق بأحداث ما زالت قائمة، وتتناول قضايا غالبا ما يجري السكوت عنها في دول الخليج، تمثل الجانب الأكثر بروزا في رواية سليمان المعمري، لكن هل يمكن اعتبارها رواية توثيقية لأحداث سياسية عاصفة مر بها العالم العربي، وعايشتها سلطنة عمان في بواكير الربيع العربي؟ يذكر أن المؤلف كان قد أصدر كتابا بعنوان (أحداث فبراير 2011) تناول الأحداث التي شهدتها السلطنة. يقول سليمان المعمري إجابة على هذا السؤال: (كثيرون ممن قرأوا هذه الرواية كانوا يحملون ذات التصور، أي أنها رواية (توثيقية).. وأيا كانت التسميات والتوصيفات فلا أخفيك أنني أشعر بنوع من الامتعاض عندما أسمع عبارة (رواية توثيقية) عن روايتي هذه، رغم أن لها تأويلين: التأويل السيئ هو الغمز من قناتي كأديب يتضاءل دوره إلى مجرد موثق لأحداث، مثله مثل أي باحث مبتدئ في التاريخ.. أما التأويل الإيجابي فهو أن هذا الروائي كأي روائي يتخذ من التاريخ مادة له، نجح في القبض على أحداث تاريخية معينة ليضعها في الذاكرة، تماما كما فعل تشارلز ديكنز عندما خلد لنا الثورة الفرنسية في رائعته (قصة مدينتين)، وكما فعل تولستوي في (الحرب والسلم) التي (وثقت) إبداعيا حقبة اجتياح نابليون بونابرت للأراضي الروسية في عهد القيصر ألكسندر الأول.. لكن ديكنز وتولستوي لا يرويان تاريخ نابليون ولا القيصر الروسي ولا لويس السادس عشر، بل تاريخ الإنسان البسيط الذي تقع عليه تبعات الأحداث التاريخية الكبرى). سليمان المعمري أديب عماني قدم مجموعة من الأعمال القصصية، وهو يمتلك حسا نقديا وقلما ساخرا، وكان قد ترأس سابقا الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، كما ترأس أسرة كتاب القصة في السلطنة، بالإضافة إلى رئاسة قسم البرامج الثقافية في الإذاعة. وفاز بجائزة يوسف إدريس العربية للقصة القصيرة عام 2007 عن مجموعته (الأشياء أقرب مما تبدو في المرآة).