بعد فشل حظر التجوّل في منع المظاهرات المعارضة آليات حكومية جديدة للتضييق على الحراك بمصر يواجه المتظاهرون المصريون محاولات مستمرة من السلطة القائمة في البلاد لتحجيم حراكهم الرافض للانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي في الثالث من جويلية الماضي. رغم تسفيه وسائل الإعلام المصرية الحكومية والخاصة لأعداد المشاركين في المظاهرات بصورة دائمة، فإن الإجراءات التي تفرضها القاهرة تشير إلى أن الاحتجاجات تؤرق السلطة القائمة وتدفعها لاتخاذ قرارات استثنائية ترهق الاقتصاد المصري الذي يعاني أصلا. وزادت السلطة القائمة في البلاد من إجراءاتها ضد حركة المظاهرات والمسيرات بعد فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة المؤيدين لمرسي في 14 أوت الماضي، مما أدى لسقوط مئات القتلى وآلاف المصابين، بحسب التقديرات الرسمية. وكان حظر التجول -الذي فرض في يوم فض الاعتصامين نفسه- أول قرارات الحكومة الانتقالية لمجابهة الحراك الشعبي. وبدا أن القرار الذي فرض الحظر في 14 محافظة اتخذ للحيلولة دون إقامة أي اعتصام رافض للانقلاب العسكري الذي قاده وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي. ورغم أن توقيت بدء حظر التجول قد تغير من السابعة إلى التاسعة ثم إلى الحادية عشرة مساء حتى السادسة صباحا، إلا أن المتظاهرين أصروا على كسر الحظر منذ اليوم التالي لفرضه، لإبداء رفضهم لقرارات ما يعتبرونها "السلطة الانقلابية. وبالإضافة لفشل الحظر القائم منذ ثلاثة أسابيع في منع الحراك الميداني فقد زادت معاناة البلاد اقتصاديا، حيث وصلت الخسائر الناجمة عنه حتى الآن إلى ثلاثين مليار دولار، حسب صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية. ولكن أخطر ما واجه المتظاهرين خلال فعالياتهم منذ عزل مرسي هو استخدام الذخيرة الحية من جانب قوات الأمن، واستخدام الشرطة لمن يدعون ب "المواطنين الشرفاء أو الأهالي" وهم من يسميهم المتظاهرون ب"البلطجية"، لمهاجمة المحتجين. وعانى المحتجون في مختلف المحافظات من استهداف هؤلاء البلطجية لهم على مرأى ومسمع قوات الأمن، بل إنهم (البلطجية) يشاركون الشرطة في عمليات القبض على المتظاهرين، ويظهر ذلك في اللقطات التي تبين المدنيين إلى جانب القوات النظامية أثناء عمليات الاعتقال. وكانت مظاهرات مسجد الفتح في رمسيس في الجمعة التي تلت فض الاعتصامين من أشهر الفعاليات التي استخدمت فيها قوات الأمن الذخيرة الحية واستعانت بالبلطجية ضد المتظاهرين، حيث قتل ما يزيد على مائة شخص وحوصر مئات آخرون داخل المسجد قبل أن يعتقلوا في اليوم التالي. ومنذ ذلك اليوم، استخدمت وزارة الأوقاف المصرية سلطتها على المساجد لغلق بعضها في وجه المصلين أيام الجمعة بحجة "الترميم"، إضافة لقرارات سابقة تلزم بفتح المساجد قبل مواعيد الفروض بوقت قصير وإغلاقها بعدها مباشرة. وفي تحرك مماثل، وافق وزير العدل المستشار عادل عبد الحميد على منح الضبطية القضائية لأفراد الأمن الإداري بالجامعات وذلك قبل أيام من بدء العام الدراسي الجديد المقرر في 12 سبتمبر الحالي. وبموجب القرار، يصبح لأفراد الأمن الإداري بالجامعات الحق في تحرير محاضر للطلاب، في خطوة فسرها متابعون بأنها تهدف لمنع المظاهرات أو الاحتجاجات التي قد تنظم رفضا للانقلاب العسكري. وفي سياق الإجراءات الحكومية لتقويض المظاهرات، كانت هيئة السكك الحديدية أوقفت حركة القطارات -بشكل كامل- بين المحافظات المصرية لمدة 17 يوما، قبل أن تعود للعمل الأربعاء الأخير، بعد أن أدى التوقف إلى خسائر وصلت لنحو ستين مليون جنيها تقريبا، وفق تصريحات صحفية نقلت عن جمال دويدار نائب رئيس الهيئة للتشغيل. وحسب أعضاء في التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب، فقد كان قرار قطع حركة القطارات يهدف إلى منع تدفق المتظاهرين على القاهرة للمشاركة في المظاهرات، حيث يلجأ المتظاهرون إلى السكك الحديدية لتفادي الكمائن المنصوبة على الطرق السريعة والصحراوية لاعتقال من يشتبه في مشاركتهم بالمظاهرات.