أردت أن أعالج اليوم ظاهرة أصبحت مؤثّرة كثيرا في الوسط الرياضي عامّة والكروي خاصّة وهي الصحافة الرياضية المتخصّصة، ينبغي الوقوف جدّيا مع هذا السؤال: هل نملك صحافة رياضية متخصّصة مهنية واحترافية أم لا؟ وما هو تأثير الصحافة الرياضية في الوسط الرياضي الكروي خاصّة إذا كانت المهنية والاحتراف مجرّد حبر على ورق؟ وما مدى احتراف ومهنية الصحفيين المتخصّصين في الشأن الرياضي في الجزائر؟ واقع الصحافة الرياضية المتخصّصة في الجزائر توجد العديد من الصحف الرياضية الكروية في الجزائر كما هو معروف وأغلبها متخصّصة في كرة القدم الذي هو موضوع اهتمامنا. تطوّرت هذه الصحف بتطوّر الزمان الذي نعيش فيه فأصبح لبعضها أو أغلبها مواقع إلكترونية تنقل من خلالها الأخبار الرياضية ساعة بساعة، تهتمّ بالمنتخب الوطني ويوميات لاعبينا الدوليين المحترفين وكذلك البطولات في مختلف المستويات. السؤال المطروح: ما مدى مهنيتها واحترافيتها؟ التساؤل عن مدى مهنية واحترافية أيّ صحيفة رياضية يقودنا آليا إلى التساؤل عن مدى مهنية واحترافية صحفييها ومراسليها ورئيس تحريرها. تدهور مستوى جامعاتنا كما هو معلوم أدّى إلى تدهور مستوى الخرّيجين من الصحفيين، لكن يجب الاعتراف بأن هناك بعض الصحفيين ممّن يملكون مستوى أدبيا ومعرفيا وثقافيا جيّدا وهم يعملون في مختلف الصحف الرياضية المتخصّصة، لكن هل العمل الذي يقومون به يتّسم بالمهنية والاحتراف؟ بين المستوى الجيّد للصحفي ونقص مهنيته واحترافيته للأسف الشديد أصبحنا نلاحظ أن الصحفي الرياضي في الجزائر حتى وإن كان مستواه العلمي جيّدا إلاّ أن عمله يخرج أحيانا عن إطار المهنية والاحتراف ومسار كتاباته يتبع مسار توجّه الصحيفة التي يعمل فيها حتى وإن كان هذا التوجّه غير سليم. فكم من صحفي نراه يخرج من الالتزام المهني بالحياد ويلبس ثوب المناصر وأحيانا ثوب المحرّض على العنف، كيف ذلك؟ عندما تتحوّل المهنية إلى ادّعاء دون تسمية اليومية الرياضية المعروفة التي سأضرب بها مثلا في هذا الموضوع، والتي أصبحت تثير جدلا كبيرا في الوسط الرياضي وبين الجماهير نظرا لشعبيتها، في هذه اليومية التي تدّعي الاحترافية وتجري حوارات حصرية مع نجوم عالميين بين الفينة والأخرى هناك انزلاق كبير ملاحظ في مادتها الصحفية الموجّهة لجمهور القرّاء والدلائل كثيرة ومتنوّعة ولعلّ أهمّها لبس الصحفي المكلّف بتغطية نشاطات فريق معيّن ثوب المناصر المتعصّب لفريقه، إضافة إلى المغالطات الكثيرة التي يقوم بها الصحفيون في كتابة الأخبار والمقالات. سقطات مهنية لصحفيين يدّعون الاحترافية لا يحتاج القارئ إلى عين الصقر لكي يلاحظ السقطات المتعدّدة للصحفيين الرياضيين في الجرائد المتخصّصة، فالمهنية أصبحت عملة مفقودة عند هؤلاء أمّا الاحتراف فحدّث ولا حرج. سأذكر فيما يلي بعض الكوارث المهنية التي عادة ما تتكرّر عند هؤلاء الصحفيين وذلك على سبيل المثال لا الحصر: * أخبار الدوليين المحترفين: هناك تغليط واضح في نقل أخبار انتقالات اللاّعبين، فاليوم يكتبون أن اللاّعب يقضي آخر أيّامه في النّادي وغدا يصبح ركيزة أساسية في نظر المدرّب. أخبار وهمية من صنع خيال الصحفي غرضها ملء الفراغات في الجريدة وهذا باستعمال العبارة المشهورة: #حسب مصادر موثوقة#. تنقيط الصحافة الأجنبية للاعبينا الدوليين حسب أدائهم ينقل بعشوائية من عدّة مواقع إلكترونية دون التحقّق منها، وهنا أؤكّد لكم أنني شخصيا لاحظت مرّة أن تنقيطا للاّعبين وضعه الصحفي على أساس أنه لجريدة أوروبية مشهورة في حين أن ذلك التنقيط وضعه موقع أنصار النّادي بينما تنقيط الجريدة الأوروبية كان مختلفا تماما. * أخبار "الفاف" والنّاخب الوطني: "الفاف" تقرّر مواجهة المنتخب الفلاني ودّيا وطيلة أسبوع كامل نفس الأسطوانة تتكرّر: #في انتظار تأكيد الاتّفاقية اليوم أو غدا#، وفي الأخير وبعد (سماطة الفاف) وعدم اتّباعها أهواء الصحفي يقوم هذا الأخير بمهاجمتها ومهاجمة النّاخب الوطني واتّهامهم بعدم القدرة على اتّخاذ القرار. شنّ حرب ضروس على النّاخب الوطني الذي أصبح وبقدرة قادر غير مرغوب فيه من الجميع حسب الصحيفة، وكلّ يوم تسمع أن روراوة غاضب من (حاليلو) لأمر ما وكأن ذلك الصحفي كلّف جاسوسا بتتبّع الرجل الأوّل في (الفاف) ومعرفة مزاجه وتفكيره وردّ فعله في كلّ مكان وزمان. وعندما تؤكّد الاتحادية تمسّكها بالنّاخب الوطني يقوم الصحفي بتغيير جهة اللّعب على طريقة زيدان وينتقل إلى الحديث عن مصيره بعد المونديال والتأكيد أن العقد سيفسخ بعد العرس العالمي، في حين أن الجميع يعلم أن العقد الذي يربط الاتحادية ب (حليلوزيتش) ينتهي بعد مونديال البرازيل، وبالتالي لا حاجة إلي فسخ العقد أو شيء من هذا القبيل، لكن .. للّه في خلقه شؤون. * أخبار الأندية الجزائرية: حدّث ولا حرج.. الصحفي يلبس ثوب المناصر ولتذهب المهنية والاحترافية إلى الجحيم. مبادئ العمل الصحفي تحتّم على الصحفيين التقيّد بالمهنية في نقل أخبار النوادي واللاّعبين وعدم إبداء آرائهم الشخصية، لكن تلك المبادئ أصبحت في خبر كان أو لم يكن أصلا. تمرير الآراء الشخصية للصحفي من خلال جملة: #وحسب آراء المناصرين فإن...# هذه الحيلة يمارسها عدد كبير من الصحفيين ولسوء الحظّ تنطلي على جزء كبير من القرّاء فيقتنعون بأن تلك كانت آراء المناصرين، بينما هي ليست إلاّ آراء الصحفي المناصر الذي يستغلّ منصبه للكذب والافتراء والتكلّم باسم الأنصار دون وجه حقّ. تحريض الجماهير على العنف: عندما يلبس الصحفي الموقّر ثوب المناصر المتعصّب فلا تنتظر منه الشيء الجميل لأنه داس على كلّ قيم المهنة التي يدّعي القيام بها. فكم من صحفي يكتب: (المناصرون يتوعّدون اللاّعبين...) و(الأنصار في قمّة الغضب من اللاّعب... ويتّهمونه بالتلاعب بمشاعرهم)، و كذلك (الأنصار يرفضون تعيين الحكم الفلاني ويتوعّدون بالتصعيد) وأيضا (على الإدارة تحّمل مسؤوليتها أمام الغضب الكبير للأنصار) إلى غيرها من الجمل المحرّضة بشكل غير مباشر على العنف والفتنة رغم أنها مجرّد آراء الصحفي الموقّر الذي يحوّلها بمباركة رئيس التحرير إلى آراء الجماهير العريضة. مناصرة الفريق الذي يغطّي نشاطاته بشكل علني: وهذه أكبر سقطة يقون بها صحفيو آخر الزمان، حيث ضرب بالعمل المهني الاحترافي عرض الحائط وأصبح الصحفي الذي هو من المفترض مكلّف بتغطية نشاطات فريق معيّن أصبح يمجّد ذلك النّادي ويضعه فوق الجميع ويقزّم خصومه في البطولة ويحاول القيام بحرب نفسية هي في الأصل مهمّة المسؤول على النّادي وليس الصحفي، وكلّ هذا باستعمال عبارات على وزن: (النقاط الثلاث بالملاحة أو القباحة) و كذلك (التعثّر يعني نهاية الفريق و قطع صلته مع أنصاره)، وأيضا عبارات الشارع مثل (الخصم ما يخلعناش) و(اللاّعبون يطالبون بالحماية والجحيم ينتظر الفريق في...) في تحريض واضح على الفتنة إلى غيرها من الجمل التي هي أبعد ممّا تكون عن المادة الصحفية الهادفة والمنتظرة من الصحفي. أين الضمير المهني؟ وإلى أين أنتم سائرون؟ واللّه أتعجّب من المستوى المتردّي الذي آلت إليه مهنية واحترافية البعض من صحفيينا العاملين في الجرائد الرياضية، هل لهؤلاء ضمير يؤنّبهم؟ كيف يسمح رئيس التحرير للصحفي بأن ينشر سموم الفتنة والبغضاء بين الجماهير من خلال كتاباته؟ الجميع يعلم أن بعض الجرائد الرياضية أصبحت سببا من أسباب العنف في الملاعب لكن لا أحد يملك الشجاعة والمبادرة لفضح هؤلاء وتغيير الأمور، هل لأنهم زملاء مهنة؟ كيف لا يفرّق الصحفي بين كتابة أخبار فريق معيّن وبين مناصرته علنا وتمرير آرائه على أنها آراء الجماهير؟ والشيء الباعث لليأس أن تلك العقلية ستبقى متفشية وستنتقل من الجيل الحالي إلى الجيل الذي يليه من الصحفيين الذين يبدأون مسيرتهم كمتدرّبين يرون بأمّ أعينهم الاعوجاج في العمل المهني ويأخذون منهم ويتعلّمون الشيء الخاطئ (يديو الصنعة) مثلما يقال، وتبقى بذلك دار لقمان على حالها. الشيء الوحيد الذي يبعث التفاؤل في نفسي هو وجود بعض الصحفيين المقتدرين الذين يحترمون مهنتهم ويقدّرونها ويلتزمون بالضوابط الأخلاقية التي تحيط بالعمل الصحفي، والتي تحتّم عليهم الصدق في نشر الأخبار وفق مبادئ المهنة ولا ينشرون سموما بين الأنصار ولا يتكلّمون باسمهم ويكتفون بتأدية واجبهم الصحفي. لكن أين هؤلاء من الأغلبية؟ وإذا كان رئيس تحرير الجريدة يوافق على نشر السقطات الإعلامية فكيف بهؤلاء أن يغيّروا الأمور؟ في الأخير أتوجّه بنداء في هذا العالم الأصمّ إلى صحفيين تنازلوا عن شرف المهنية في العمل: اتّقوا اللّه في أنفسكم واعلموا أن الصدق يهدي إلى البرّ وأن الفتنة أشدّ من القتل، التزموا بتأدية مهامكم التي درستم من أجلها من فضلكم. اعذروني إن كنت أطلت في الموضوع وكنت قاسيا بعض الشيء على هؤلاء، لكن الساكت عن الحقّ شيطان أخرس.