من (بيئتهم الحاضنة) استدعى الأدباء الموريتانيون قصائد وملاحم شعرية مثلت علامات فارقة في تاريخ الشعر الموريتاني، واستحضروا من (سفاراتهم الإبداعية) شعراء وأدباء تركوا بصماتهم على هذا الأدب، وحملوه إلى منابعه في الجزيرة العربية، وتألق على ألسنتهم وبأقلامهم في مناطق عديدة من العالم. ففي ليلة من ليالي نواكشوط المشهودة، نظمت فعاليات النسخة التاسعة من مهرجان الأدب الموريتاني تحت شعار (بيئة حاضنة وسفارة إبداع) في وقت يعرف هذا الأدب تحديات يفرضها انعدام النشر وغياب النقد وتراجع حضور الشعر في الساحة الموريتانية. المهرجان -الذي استمر أربعة أيام- صاحبه معرض لمنشورات اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين خلال 2013 وشهد جلسات نقدية، ومسابقات أدبية في القصة القصيرة والشعر، وأمسيات شعرية مفتوحة أمام الجمهور، تحييها مجموعة من الشعراء الشباب، وعدد من كبار الشعراء الموريتانيين المعروفين في موريتانيا والوطن العربي. في الجلسة الافتتاحية، كانت الكلمة الأولى للشعر والشعراء، فصفق الجمهور وتألق الشعراء، لكن كل ذلك لم يستطع أن ينسي الأدباء هموم الأدب، وتحديات الإبداع، وإكراهات الواقع الثقافي محليا وعربيا، فحضرت تلك الهموم آهات في النصوص الشعرية، واعترافات في الكلمات الرسمية. وذكّر رئيس اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين الشاعر عبد الله السالم ولد المعلى بتلك التحديات، مبرزا من بينها انعدام المطابع ودور النشر، لكنه عبر عن ثقته في أن (الأدب الموريتاني واصل لا محالة إلى مصاف الآداب العالمية الراقية، ومستعيد لمكانته التاريخية، متشبع بروح أصالته وذاتيته). وأكد ولد المعلى أن الإبداع يفرض نفسه باعتباره (صدى إنسانيا يعكس بصوت عال كل الأصوات الصامتة في الإنسان). أما الأدباء الموريتانيون فرأوا أن الأدب الموريتاني يواجه تحديات تتعلق بطبيعته وآليات نقده وتقديمه للقراء. وفي هذا السياق، يقول الناقد وأستاذ الأدب بجامعة نواكشوط د. محمد الحسن ولد محمد المصطفى (القصيدة الموريتانية حققت الكثير من المكتسبات والإنجازات الإبداعية المهمة والحضور البارز في الساحة الأدبية العربية، لكنها لا تزال تعاني تحديات كبيرة من أبرزها الاعتماد على الموروث القديم والاندفاع نحو الحداثة بشكل غير مدروس). ويضيف ولد محمد المصطفى أن (هذا الأدب لا يزال يعاني من غياب الرؤية الإبداعية الواضحة لدى المبدع الذي يتأثر بمجموعة من المتغيرات). ولئن تفاوت تأثير تلك التحديات، فإن النشر يعتبر أكبر التحديات التي يواجهها الأدب الموريتاني في نظر المشتغلين به، ففي ظل عدم توفر النشر يبقى النص الأدبي في أحسن الأحوال ضمن دائرة (المتعلقات الشخصية) لصاحبه. ويقول ولد محمد المصطفى (لا حقيقة للإبداع بدون النشر، فغياب أدوات النشر يجعل النقد غير موجود لأن النقد لا يشتغل إلا على المنشور، كما أنه يحول دون وصول النص أو الإبداع إلى القارئ، ومن ثم ينعدم عنصران أساسيان لأي عمل إبداعي هما الناقد والمتلقي). التحدي الذي يمثله غياب النشر يبدو محل إجماع من الأدباء والمهتمين بالشأن الثقافي في موريتانيا، وربما ذلك ما يفسر الجهد الذي بذله اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين في نشر أعمال أدبية متنوعة هذه السنة. ويقول أمين النشر والتوثيق بالاتحاد محمد إبراهيم ولد محمدنا إن (أحد أهم التحديات التي يواجهها الأدب الموريتاني يتمثل في غياب النشر الذي يحول دون وصول الإنتاج الأدبي إلى القارئ سواء في موريتانيا أو في غيرها).