رحل المؤرخ بوعلام بلقاسمي إلى عالم الخلد – فجأة- بعيدا عن الوطن، هناك في سلطنة عُمان وهو يؤدي دوره العلمي في جامعة مسقط، رحل عنّا وهو في قمة العطاء الفكري يشعّ نورا كالمنار. ورغم قناعتي بالقضاء والقدر، فإن ذلك لا يمنعني من وصف رحيله ب«الخَطب الجلل"، ومن ثم ليس لعين لم يفض ماؤها عذر. ومن باب تقدير "سلطة العلم" أن تُذكر أعماله الفكرية في المنابر الإعلامية والجامعية، حتى يدرك الرأي العام والشباب بصفة خاصة، أن الجامعة الجزائرية ليست عاقرا، لكن "تغوّل الرداءة وأهلها" حجب جهود نخبتنا، التي استقطبتها دول عديدة أنزلت علماء الجزائر منازلهم.عرفتُ المؤرخ الدكتور بوعلام بلقاسمي في فضاء المجلس العلمي للمركز الوطني للدراسات التاريخية الخاصة بالحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر التابع لوزراة المجاهدين. جمعني القدر به في هذا المجلس العلمي الذي كنتُ عضوا فيه وكان الراحل يترأسه، أيام كان الدكتور جمال يحياوي مديرا للمركز. كان الدكتور بوعلام بلقاسمي يسيّر هذا المجلس العلمي بكفاءة عالية، وهو المجلس الذي ضم كفاءات سامية اصطفاها وزير المجاهدين السابق محمد الشريف عباس من ربوع الوطن على أساس المعيار العلمي، ووفّر لها أجواء العمل الموضوعية. كان رئيس المجلس العلمي بوعلام بلقاسمي يجمع بين الكفاءة العلمية وكفاءة التسيير، جعلت الأعضاء يعملون بأريحية مطلقة، يدلون بآرائهم العلمية دون مواربة أو مجاملة، وهو يتقبلها بصدر رحب لا تكدّره المقاربة الموضوعية الناقدة. وحقّق هذا المركز نتائج علمية كبيرة على أصعدة متنوعة لا يتّسع هذا المقام لذكرها.كما تصدى مجلسه العلمي تحت رئاسة الدكتور بوعلام بلقاسمي لكل المحاولات الرامية إلى توظيف " التاريخ" لأغراض سياسية غير نزيهة. ومن تجليات هذه الكفاءة أنه يحسن الاستماع لكل الآراء المعروضة، ولا يقاطع أحدا حتى يكمل عرض فكرته، ويستعين في ذلك بصبر أيوب على بعض "المبالغات"، مراعاة لإصراره على الانتصار ل«سلطة العلم" أوّلا وأخيرا، وهذا من باب الوفاء للعلم والجزائر. ومن باب الإنصاف أن ينظم المركز الوطني للدراسات التاريخية المذكور، ندوة علمية حول "الجهود الفكرية" للدكتور بوعلام بلقاسمي، يشارك فيها أصدقاؤه من الجزائر وخارجها – وهم كثيرون-، ثم تطبع أعمال الندوة وتبقى شاهدا على سعي الرجل في بناء صرح المعرفة التاريخية.