أصبح الموتى في مجتمعنا يصنفون حسب مستواهم الاجتماعي، فالفقير أصبح يظهر فقره حتى في الموكب الجنائزي الذي يسير به إلى مثواه الأخير بينما تجد من له جاه ومال يشيّع في موكب ليس له أول من اخر، كما أن مجالس العزاء يمكن التمييز من خلالها بسهولة إذا ما كان الميت غنيا أم فقيرا، فهذه المجالس؛ التي تدوم ثلاثة أيام، تجدها تغص بالمعزين على خلاف مجالس موتى الفقراء التي لم يعد يجلس فيها إلا القليل ممن توجد في قلبهم ذرة إيمان. ومن الملاحظ في مجالس العزاء هو أن العائلات الغنية أصبحت تهتم بالحلويات والأطباق التي توضع للمعزين فيها، وذلك حرصا منهم على أن تكون تشييع جنازة فقيدهم تليق بمستواه الاجتماعي. ويروي لنا «عمّي حسين»؛ وهو بائع رخام بولاية عنابة، قصة حدث له مع ثلاثة إخوة جاؤوا إلى محلّه لشراء رخام قبر والدهم، وطلبوا منه أن يدلهم على أغلى أنواع الرخام لكي لا يقول الناس بأنهم ورغم ما ترك لهم والدهم من مال لم يبنوا له قبرا يليق به. وأصبحت المقابر مصدرا للتفاخر بين الناس، ففي مدينة عنابة على سبيل المثال لا الحصر تحرص العائلات الغنية على دفن موتاها في مقبرة «زغوان» المتواجدة على الشريط الساحلي تكريما لها وتباهيا أمام الناس، حيث يضطرون في بعض الأحيان إلى نبش قبر قديم لدفن ميتهم الجديد، أما باقي المقابر على غرار «سيدي حرب»، «بوحديد» و»بوقنطاس» فتركت لميسوري الحال. إمام: «المأكولات أصبحت تغري المعزين.. والإسلام ينهى عن ذلك» ولمعرفة رأي الدين حول هذا الأمر اتصلت «اخر ساعة» بالشيخ محمد بن عبد الكريم إمام مسجد «الإسراء والمعراج» المتواجد بمدينة عنابة، حيث أكد لنا أن هذا الأمر تفشى بالفعل في المجتمع الجزائري، لافتا إلى أنه حذر منه في الكثير من الدروس والخطب التي ألقاها، وأضاف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خمس تجب للمسلم على أخيه: رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، واتباع الجنائز«، مشيرا إلى أنه على كل مسلم حضور جنازة أخيه المسلم مهما كان قريبا منه أو بعيد حتى لو كان الميت عاصيا لله، لافتا بهذا الخصوص إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف لجنازة يهودي مرت أمامه كما أن علي رضي الله استأذنه صلى الله عليه وسلم ليدفن والده أبو طالب الذي مات مشركا. وأضاف الشيخ عبد الكريم أن الناس أصبحت في مجتمعنا تسير في المواكب الجنائزية حسب مكانة الميت الاجتماعية، كما أن أهل الأموات صاروا يتباهون بنوعية الحلويات التي توضع في مجالس العزاء، لافتا إلى أن هذه المأكولات أصبحت تسيل لعاب المعزّين، خصوصا وأن بعض العائلات أصبحت تطهى أشهى الأطباق على غرار المرقة حلوة في جنائزها، وكأنهم في عرس أو في مناسبة دينية. كما استنكر الإمام الضحك واللعب الذي أصبح يطغى على مجالس العزاء، التي من المفترض أن يتعض منها المعزون. وفي الأخير أشار الشيخ إلى أن الأحياء الشعبية ما تزال تحترم فيها الجنائز، ويسير فيها مع في موكب الميت مهما كانت مكانته في المجتمع.